Home أخبار نوفل سلامة يكتب: إصلاح التعليم…أي بيداغوجيا في تدريس مواد القيّم؟

نوفل سلامة يكتب: إصلاح التعليم…أي بيداغوجيا في تدريس مواد القيّم؟

0 second read
2
0

كتب: نوفل سلامة  

اليوم هناك إجماع واتفاق على أن أزمة البلاد وكل ما تعيشه من مشاكل في شتى المجالات والميادين، وما تعرفه من شيوع الكثير من المظاهر السلبية في المجتمع وفي العلاقات بين الأفراد سببه الأساسي تراجع منظومة القيّم بل قل اختفاؤها من حياة الناس…

…فـ أزمة الحكم وما يوجه إلى السياسيين من تهم بالفساد وارتكاب المحاذير وما نلاحظه من تحكم الانتهازيين والمحتكرين والمتسلقين في مفاصل المجتمع، وما نرقبه من استعلاء للقيم السلبية التي تجعل من المجتمع مجتمعا مريضا بعد انتشار الجريمة بكل أنواعها وتمددها في الزمان والمجال، مردها تراجع منظومة القيّم التي تتهم المدرسة بأنها قد أضاعتها على حساب خيارات أخرى ورهانات غير صائبة.

تحولات كبرى

في هذا المناخ من التحولات الكبرى والعميقة التي تعرفها بلادنا خلال العشرية الأخيرة وربما قبلها، وفي إطار دراسة التحولات التي تشهدها المجتمعات بعد الهزات العنيفة التي تعرفها وما يرافق حدوث الثورات السياسية التي تطيح بمنظومة الحكم القديمة من طرح السؤال الاعتيادي حول تراجعت القيم؟

ومعه يطرح سؤال الحل وفي الأثناء يطرح سؤال أي دور للأسرة والبيت والمدرسة في المحافظة على القيم الإيجابية والضرورية لقيام المجتمعات؟
وهذا السؤال يفرض سؤال أي مدرسة نريد؟ و سؤال آخر حول أي مكانة لتعليم مواد القيم في البيداغوجيا المدرسية؟ خاصة في هذه المرحلة التي تعيشها تونس
ونحن نفتح نقاشا مجتمعيا وآخر مؤسساتيا داخل وزارة التربية وفي المجتمع المدني حول الإصلاح التربوي المرتقب الذي يركز على مسألة الغايات والمبادئ و الأهداف…
وهذا ما يجعل من موضوع البيداغوجيا يحتل المكانة الأولى في عملية الإصلاح خاصة وأن عملية تدريس هذا النوع من المواد يحتاج إلى إعادة النظر في نوع المدرس الذي سوف يتكفل بالمهمة ومراجعة طريقة  التدريس الحالية التي لم تعد مجدية والتفكير في طرق جديدة للتعليم تراعي المقاييس الجديدة لما هو معمول به في المقاربات العالمية التي تستجيب لخصوصية القرن الذي نعيش فيه…

الإصلاح التربوي المنشود؟

وبالتالي فإن الإصلاح التربوي المنشود يستمد أهميته ونجاعته من فكرة تجديد الطرق البيداغوجية وأدوات التدريس وحتى استراتيجيات التعليم والتعلم وهذا يتطلب إعادة النظر فيما تم تدريسه من محتويات ومضامين في مختلف المواد و في كل المراحل التي مر بها التعليم في تونس منذ السبعينات والثمانينات والتسعينات و إلى اليوم في اتجاه إعادة النظر في هذه التقنيات والحوامل البيداغوجية التي اتضح اليوم أنها لم تعد تفي بالحاجة ولا هي مواكبة للتطور الحاصل في مجال التربية.

أسئلة حارقة

لكل هذه الأسئلة الحارقة نظم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في إطار نشاط منتدى المدرسة والتحولات ندوة علمية خصصها لسؤال أي بيداغوجيا لتدريس مواد القيم؟ احتضنها مركزه يوم الجمعة 22 أفريل المنقضي  استضاف لها ثلة من المختصين في مجال التربية من باحثين و متفقدين بيداغوجيين.
ركزت هذه الندوة على فكرة رئيسية وهي وجود نقاش كبير اليوم بين المقاربة بالمواد وهي الصيغة التقليدية للمدرسة التي تعتمد على عائلات المواد التي توجد بها شبكة من قيم هي في العموم متفق حولها ولكن تحتاج إلى مراجعة وإعادة نظر وبين رؤية أخرى تقوم على المقاربة بالمنهاج واليوم أمام كل هذه التحديات التي تعيشها المدرسة التونسية فإنه من الضروري التفكير في إدراج المواد القيمية في البرامج المدرسية وجعلها تتمتع بطرق خاصة في عملية التدريس والتطوير والارتقاء في اتجاه عدم الاكتفاء بالمعرفة والمضامين التي يمكن الحصول عليهما بفضل ما هو متوفر من تكنولوجيا متطورة وتقنيات حديثة..
اليوم يتعين التركيز على المهارات الاجتماعية وعلى مهارات الحياة والعمل الجماعي والتفكير النقدي وهي كلها مجموعة من الكفايات الأفقية الهامة التي يتطلب أن تتوفر في ملامح التلميذ الذي نريد وفي المواطن الذي نطمح أن يكون فاعلا في واقعه ومجتمعه.

تشخيص الأوضاع

الملاحظة العامة في هذا التشخيص هي أن المدرسة التونسية اليوم و بعد أكثر من عقدين من الزمن تحتاج إلى تطوير في برامجها وتتطلب تغيير وتجديد في مضامينها وكذلك في طرق التعلم التي تتبعها تكون قادرة على تغيير المشهد العام للمدرسة التونسية وتؤثر في ملامح ومهارات التلميذ التونسي بالشكل الذي نتطلع إليه….
من أجل ذلك كان هذا اللقاء محاولة للإجابة على كل هذه الأسئلة وخاصة الإجابة على سؤال مواد القيم في المضمون الدراسي ونعني بها تحديدا مادة الفلسفة والتربية المدنية ومادة التفكير الإسلامي ومادتي التاريخ والجغرافيا بالإضافة إلى التوجيه المدرسي الذي أصبح اليوم مبني على مقاربة تربوية، وللإجابة على سؤال كيف يمكن الارتقاء بمواد القيم وترسيخها في التفكير و في سلوك وممارسة التلميذ ؟ وكيف يمكن للمعرفة التي تقدم في المدرسة أن تتجاوز فكرة إجراء الامتحان للحصول على عدد يسمح بالارتقاء فقط وإنما الانتقال إلى مستوى آخر نجد فيه المدرسة  تلعب دورا في نحت المواطن وصقل شخصيته وخلق فرد منتج وفاعل في المجتمع و هذا هو الرهان الأساسي اليوم لعملية الإصلاح التربوي التي يراد أن يكون محملها الأول تدريس مواد القيم…
خلال تدريس مادة الفلسفة مثلا يتجه السؤال هل نخفف من المضمون الفلسفي؟ وسؤال آخر حول ظاهرة تحول المدرس إلى مجرد أداة في آلة المدرسة وعدم تمتعه بهامش من الحرية ما يسمح له بالتفكير و الجدال ضمن برامج مسقطة وإجراء اختبارات للمراقبة والعقاب مع مدرسين لا تتوفر فيهم المؤهلات أو هم غير مؤهلين لكي يوقظوا الوعي لدى التلاميذ، مدرسين  فاقدين للتكوين الضروري الذي يجعل منهم لا مجرد ناقلين للمعارف وإنما يسمح لهم بلعب أدوار أخرى غير الأدوار التقليدية لصورة المعلم…

غياب الرغبة في التعلم

الحقيقة اليوم أنه يصعب على المدرس الحالي أن يكون مستوعبا للوضعيات التعلمية الجديدة أو له القدرة على التعامل مع الوضعيات الجديدة .. اليوم هناك مشكلة كبرى على المدرسة أن تجد لها حلا وهي أن المتعلم والتلميذ لم يعد يرغب في التعلم ولا في التفكير باستثناء عدد قليل من التلاميذ في كل قسم، و هناك مشكل آخر وهو أن المتعلم في المستوى الثانوي هو في عجلة من أمره يعيش اللحظة وليس لديه الوقت للتفكير بعمق وصبر في المسائل المطروحة عليه وأن أقصى ما يطمح إليه هو تلبية حاجيات أقنعوه بها على أنها هي حاجياته الحقيقية أما مسألة التفكير فهي بالنسبة إليه ثانوية لا تعنيه وتلاميذ هذه حالهم فإنه من الصعب على المدرس أن يجعل  تلميذا لا يفكر ولا يرغب في التعلم إلى تلميذ مقبل على المعرفة والعلم والتفكير وهذه الإشكالية وهذه الظاهرة لا تخص البلاد التونسية فقط وإنما هي ظاهرة نجدها في دول أخرى في دول ما وراء البحار عند الأمم المتقدمة التي وقفت على موضوع فقدان الرغبة في التعلم وعدم التفكير عند ناشئتها وهي ظاهرة قديمة تعود إلى زمن الفيلسوف الفرنسي جون جاك روسو الذي تحدث عن حيل بيداغوجية من شأنها أن تجعل غير المعني بالتفكير مقبلا على التفكير…
فهو يرى أنه من الممكن أن نستخدم حيلا ندفع بها التلاميذ نحو حب المعرفة وحب التعلم .

أزمة شاملة

وفي هذا السياق  فإن ما نمر به في هذه المرحلة من تاريخ التعليم في تونس من أزمة شاملة في علاقة بالقيم والفضاء وبالتكوين والبرامج لا يمكن أن يفهم منه على أنه أزمة تنتمي إلى سياق مرضي وإنما فيها معنى الفرصة حيث أن الأزمات عادة ما تفتح الطريق أمام الانفراج و الحل للتغيير في الممارسات و المؤسسات نحو إرساء وضع جديد ونماذج ومفاهيم جديدة .
قضية اخرى تواجه القائمين على الإصلاح عليهم أن يتفطنوا إليها وهي غياب الدافعية في تعلم القيم ونخص تحديدا تعلم الفلسفة حيث حاول بعض البيداغوجيين تصور بعض المقاربات التي من شأنها أن تجعل المتلقي ينخرط في درس القيم تعرف ” بوضعيات المشكلات ” أو  ” بالوضعية المشكل ” وهي أداة ووسيلة للتعلم قديمة وتم تحيينها يحسن أن يستخدمها المدرس حتى يجلب انتباه التلميذ بإضفاء معنى على التعلم خاصة وأن هذه الوضعيات تنتقى أسنادها من الواقع ومن معيش التلميذ ومن الحياة الواقعية من منطلق أن الحديث عن المشاكل الحياتية يكون حديثا جالبا للاهتمام والانتباه والرغبة في التعلم لصلته بشواغله واهتماماته أكثر من اهتمامه بمسائل مجردة ربما لا تعنيه ولا تمثل له أي معنى على أهميتها بالنسبة لغيره ولا يكون لها أي رابط مع اهتماماته وانتظاراته وما يشغله ويفكر فيه ويمثل وعيه ورؤيته للحياة فتدريس الفلسفة على أنها تاريخ فلسفة وتاريخ الأفكار هو تدريس قد يؤدي بالتلميذ إلى التعبير عن عدم تحمسه و وعدم اهتمامه فهو تلميذ لا تعنيه الخصومة الفكرية بين فيلسوف و آخر و لا يجد نفسه في هذه المقاربة القديمة و هو دوما خارج تلك الخصومة وإنما المفيد أن يجعل المدرس من الحديث عن هؤلاء الفلاسفة وأفكارهم ونصوصهم مناسبة للتفكير معهم فيما فكروا فيه من اشكاليات وهنا نلاحظ أن فكرة المشكل في تدريس المواد هي طريقة ليست خاصة بتدريس مواد القيم حيث أن المشكل مطروح كذلك في مادة الرياضيات وكل المواد الأخرى.

المقاربات البيداغوجية

ما يمكن ملاحظته أن مقاربة التعلم بالاعتماد على بيداغوجيا المشكل ليست هي الوحيدة  في تدريس القيم فكل المقاربات الأخرى هي مفيدة كالبيداغوجيا الفارقية وبيداغوجيا المشروع أو بيداغوجيا الخطأ وهي كلها مقاربات تنسجم مع تدريس مواد القيم  لأنها وضعت بعد استلهام تقنياتها من أفكار الكثير من الفلاسفة والمفكرين مثل الفيلسوف روسو والفيلسوف كانط الذين نادوا أو أقاموا نظرياتهم على جملة من المبادئ في توجه إيجابي لمقاومة ما قد يطرأ من أزمات في التعلم ونفور من التعليم منها مبدأ أن كل طفل له القدرة على التعلم و لديه القابلية للتعلم في حين أننا وقفنا في الممارسة اليومية على عدم رغبة في التعلم ونفور من المدرسة وهنا يأتي دور المدرسة والمدرس في أن يحسنوا ويرتقوا بمستوى التلميذ في مدركاته وملكاته وكفاياته فقط فما هو مطلوب هو البحث المتواصل عن طرائق ووسائل تساعد من يواجهون صعوبات تحول دونهم ودون التفكير.
المبدأ الثاني أن الصعوبات التي يعاني منها التلميذ لا يمكن أن يخرجه منها غيره وإنما الامر يعود اليه لتجاوز صعوبة التعلم . والثالث ابتكار وسائط ومقاربات ومؤسسات للتحفيز والرغبة في التعلم ودفع المتعلمين للإقبال على المعارف وبناء وتنشئة أطفال يفكرن ولهم حس نقدي .
بالنسبة لمقاربة بيداغوجيا المشكل والتي تعتمد على استخدام الوضعيات المشكلات هي بيداغوجيا تضع التلميذ في صميم عملية التعلم أي أن التلميذ لم يعد طرفا ثانويا والأستاذ لم يعد هو المركز وإنما المركز أصبح يشغله المتعلم دون أن يعني ذلك حدا أو تحقيرا من دور المدرس حيث  أصبح  التلميذ في هذه المقاربة هو محور العملية التربوية من خلال وضعه ضمن أنشطة يتولى ممارستها بصفة تشاركية مع زملائه ومع المدرس.
وهذا يتطلب أن يتوفر في المدرس جملة من الكفايات منها أن يكون قادرا على تصور وضعيات مشكلات وأن يستخدم في تدريس تلامذته أسلوب الوضعيات فمن معايير جودة التدريس المعاصر مدى إقبال المدرسين على استخدام هذه الوضعيات في تدريسهم لمواد القيم وكل المواد  الأخرى يقول بين رود ” إن اثارة الرغبة في التعلم وتجويد العلاقة مع المعرفة وتطوير قدرات المتعلم لا يكون إلا في إطار بناء مشاريع شخصية وفي إطار وضعيات متصورة ومنجزة من قبل المتعلمين والمدرس على حد السواء تغيير ..

المدرس العارف…

فان الاصلاح التربوي يحتاج إلى المدرس العارف بالتعلمية وله القدرة على تنزيل البيداغوجيا إلى أرض الواقع فما هو المطلوب هو التقليل من الجوانب التقنية في الدرس الذي يولى اهتماما كبيرا للمضمون . لما سأل العبد ” مينون ” سقراط كيف تدرس الفضيلة أجابه هل تعرف انت الفضيلة حتى تسألني وتتساءل عن كيفية تدريسها وانطلق حوار بينهما بخصوص الفضيلة ومنها خرجت تصورات مختلفة حول مفهوم الفضيلة ونشأ نوع من التنسيب للمواقف وهذا تقريبا ما يحصل في وضعية المشكل التي من مكوناتها إثارة تمثلات التلاميذ من خلال ما يسمى بالصراع العرفاني الذي يحصل داخل القسم نتيجة الإجابات المختلفة على سؤال اشكالي يطرحه المدرس ومن هنا يشعر التلميذ أن الأفكار التي قالها لا تمثل بعدا يقينيا كما كان يعتقد ويفتح الباب لتنسيب المعرفة الشخصية فالمشكل حاضر في تدريس مواد القيم وحينما نربي التلاميذ ونستخدم معهم هذه الدلالة وهذه المقاربة نرتقي بهم إلى النسبية ونبعدهم على الدغمائية والأحكام المسبقة الموجودة في الفضاء الأسري والفضاء العام والفضاء الخاص.
إن المفيد  الذي نخرج به من هذه الندوة الفكرية هو أننا ونحن نفكر في إصلاح التعليم علينا أن نفكر في هذا النوع من البيداغوجيا من أجل إرساء تعليم مثمر يرتقي بالتلميذ معرفة وإدراكا وإقبالا على الدرس من دون أن نغفل عن الاشارة إلى حدود هذه النظرية والتنبيه الى حدودها وأنه ليس من السهل على المدرس أن ينجح في استخدام مقاربة الوضعية المشكل خاصة حينما يتم التغافل عن قيمة المعارف والمعلومات وكيفية اكتسابها وتصريفها ذلك أن الوضعية المشكل هي أداة ووسيلة للتعليم وليست هي التعليم أو المعرفة ذاتها.

المصدر : الصريح

Load More Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Check Also

رئيس الحكومة يشرف على مجلس وزاري مضيق: التفاصيل

رئيس الحكومة يشرف على مجلس وزاري مضيق: التفاصيل أشرف رئيس الحكومة السيد أحمد الحشّاني اليو…