Home أخبار رأي/ لنحذر مقاطعة الجمهور

رأي/ لنحذر مقاطعة الجمهور

1 second read
2
0

بعد عشرة اشهر من المنعرج الذي دخلت فيه البلاد في 25جويلية 2021،ودون اغراق في التفاصيل ،يمكنني ان اقرا ما حدث و يحدث و ما يمكن ان يحدث من خلال تنازع السرديات و نزاع التأويلات ،لتملك تلك اللحظة ،و اعطائها مضمونا خاصا ،و دفعها باتجاه افق  محدد.

والسردية ليست كتابة للتاريخ و انما هي اعادة صياغة للأحداث ،واحيانا اختلاق لها ،من اجل افتكاك موقع في دوائر التاثير .

أبوة 25جويلية.

لعلنا نتذكر حصول ما يشبه الاجماع للإقرار بان الاوضاع ما قبل 25 جويلية لم تكن قابلة للاستمرار و انها كانت تتطلب  حلا ما .

فامام استفحال الازمة ،ولتجنب المجهول ،ارتفعت الاصوات لإنقاذ المسار بضبط قواعد التعايش بين مكونات منظومة انتخابات 2019 ،او بامتلاك شجاعة الاعلان عن فشلها واعادة الامر الى الناخبين في انتخابات عامة .

ولقد اختار سعيد طريقة مخصوصة للتفاعل مع الاوضاع و لاحداث الرجة.

ويمكننا اليوم ان نقرا سلوكه في اطار خيط ناظم يستهدف مجمل المنظومة في بنيتها المؤسساتية و القانونية ،وفِي  طريقة ادارة الشان السياسي  ،وهو ما سبق ان عبر عنه في حواراته القليلة قبل الانتخابات .وقد استفاد سعيد في تحقيق رؤيته من الاخطاء الفادحة للحزام السياسي في الحكومة و البرلمان  ،و من محصلة اداء الدستوري الحر،ومن المساعدة السياسية والفتاوى الدستورية ممن قدموا أنفسهم باعتبارهم حزاما له.

وعلى اهمية الجدل الأكاديمي وصراع التأويلات بشان  علاقة اجراءات سعيد بالديموقراطية و بالتعاقدات و بالاخلاق فان ما يعنينا هو الجدل السياسي الذي استعمل من ضمن ما استعمله القانون ،و خلفيات ذلك الجدل  .

وفِي هذا الجدل تصبح المسؤولية عن الوصول الى لحظة 25 جويلية حمالة اوجه ،فهي تعني ادانة الخصوم لمسؤوليتهم عن  المأزق العبثي الذي كان يستدعي الإنقاذ  ،و لكنها تعني ايضا التباهي بتحريض سعيد  على اتخاذ خطوة راديكالية ،و اكثر من ذلك التباهي باضفاء الشرعية على الخطوة التي اتخذها .

والغاية من كل ذلك اقناع سعيد انه كما كان مسار الإنقاذ جماعيا قبل 25جويلية  ،فان مسار

التصحيح  يجب ان يكون جماعيا بعدها .

ولكن ليلى لا تقر لهم بذاك:

واذا اعتمدنا قواعد الحس السليم في تعريف الانقلاب بانه “خروج عن حالة شرعية دون انتهاج القواعد  التي تنظمها مع توفرها” ،فاننا نعتبر ان ما قام به سعيد كان  انقلابا منذ لحظته الاولى ،اذ لم يسبق له و لا لغيره التشكيك في شرعية الوضع الذي افرزته انتخابات 2019 ،مع توفر مخارج سياسية تتيح الخروج من الحالة التي تردت اليها البلاد ربيع 2021 ،وتسمح بتعويض الشرعية بشرعية مماثلة .اما  القراءات السياسية في الحكم على الاوضاع هي قراءات ذاتية لا يعتد بها في حسم مثل هذه المسائل .

ولكننا نضيف ان ما قام به سعيد لم يكن فقط “انقلابا”،بل كان ايضا فعلا   “لااخلاقيا “اذ ان صاحبه هو راس المنظومة التي انقلب  عليها مع امتلاكه مساحات تتيح له انقاذ الاوضاع لم يكتفي بعدم استعمالها يستعمله بل ساهم في تعفين الاوضاع للاستثمار في مشروعه الشخصي .

ولكن وصف الانقلاب لا يقتصر عندنا على سعيد بل يصدق ايضا على القوى السياسية و الاجتماعية التي زكت ما حصل وأعطته الفرصة ليتمدد و خولت لنفسها إعطاء أحكامها السياسية الخاصة ،وهي حرة فيها ،ابعادا دستورية .انها صفقة من لا يملك لمن لا يستحق .

 في هذا الجزء من الصورة نعتبر ما يحصل ليس رفضا للانقلاب و انما هو صراع بين وصفتين منه :

-“الانقلاب الفردي “الذي لا يقر بدور “إيجابي “للقوى الاجتماعية و السياسية “الصديقة ” ما قبل 25جويلية ،و لا يقر لها بدور مخصوص في “تصحيح المسار “،وهو الانقلاب الذي يتكرس على ارض  الواقع و يستفيد من هدايا الاصدقاء و من اخطاء الخصوم .

-و”الانقلاب التشاركي ” من خلال حوار تشترك فيه اطراف تصف نفسها بالديموقراطية و المدنية و الوطنية ،تخول لنفسها تجاوز الشرعية الانتخابية لسنة 2019 ،و تسمح لنفسها بتصنيف الساحة وفقا لمقاييسها الذاتية ،وترتكب بسبب ذلك خطا اخلاقيا لما تضع نفسها في موقع الحكم دون وجه حق ،وترتكب خطا سياسيا شنيعا بعدم الانتباه الى دور المزاج الخاص لسعيد في طريقة ادارته للسياسة .

و لذلك تجد  هذه القوى نفسها في قلب مازق   مزدوج اذ انها تكشف من ناحية عن هشاشة التزامها الديموقراطي بالغرق في أحكامها الذاتية ومواقفها المصلحية الأيديولوجية ،كما تسقط بالنتيجة في ان تكون مجرد مكون وظيفي في انقلاب الامر الواقع لا اكثر .

وهي بذلك تؤكد الحكم عليها بانها من قوى الماضي التي استنفدت أغراضها و لم تستثمر مرحلة ما بعد الثورة لتجاوز الاقصاء و الحسابات الأيديولوجية الضيقة .

مأزق معارضة الانقلاب :

لقد صنف عدد من القوى و الشخصيات ما حدث منذ اليوم الاول بأنه انقلاب ،و تقاربت مواقف أصحابها في التحليل و في الميدان .وقد جمعت هذه المقاومة مكونات ديموقراطية لم تكن لها ادوار رئيسية في المراحل السابقة ،مع قوى استهدفها الانقلاب وإزاحها من السلطة .

ولعل احدى معضلات مقاومة الانقلاب  ان مكونها الذي كان في مواقع القرار لم يمتلك لحد الان الشجاعة لتقديم قراءة نقدية يخترق بها ثنائية 24 جويلية /25 جويلية، بما  من شانه توسيع  دائرة الشارع السياسي المناهض للانقلاب ،وما من شانه خاصة المساعدة على  تحرير الشارع العميق من سحر سعيد .

ان قراءة استطلاعات الراي تبرز الفجوة الهائلة بين  الجمهور ومجمل الفضاء المنظم ،كما تبرز التهرئة المستمرة في شعبية سعيد الذي استفاد سابقا من صورة الفاعل اللانمطي و لكنه قد يلتحق قريبا في حكم الناس بالطبقة السياسية التي واجهها .

ولذلك قد نصل الى محطات اجندة سعيد دون حضور جمهور، فلا افق امام اوهام “الانقلاب التشاركي “،ومقاومة الانقلاب محصورة في قضايا نخبوية  ،وانقلاب الامر الواقع يستند  الى القوى الصلبة للدولة ،بما ان سعيد غير قادر على المحافظة على جمهوره وإيقاف نزيف التهرئة لعجزه عن فعل شيء ذي بال فيما يهم هذا الجمهور،اي مواضيع التشغيل و المعيشة وغيرها .

النقد الذاتي و الانفتاح على الاجتماعي و تعديل الواجهة:

ان المعارضة الحالية،وخاصة تلك  التي كانت في مواقع السلطة لا خيار لها ان ارادت دورا فاعلا في المستقبل و في مقاومة ناجعة للانقلاب  سوى الالتفات للشارع الاجتماعي بالاعتذار عن اخطاء السنوات السابقة ،و بتقديم مقترحات تنقذ الاوضاع الحياتية .

و لضمان نجاح ذلك لامناص من الاشتغال على تعديل  “الكاستينغ “بتأخير بعض الوجوه التي يحملها المزاج الشعبي الغالب المسؤولية  في وصول الاوضاع الى 25 جويلية .

ان استمرار سعيد في اجندته كما هي  ،وهو ما  نرجحه ،وعدم الانتباه لحقيقة مطالب الشارع الاجتماعي ولأهمية دوره،قد يدفع الاوضاع  الى الانفلات بما يفتح الباب امام مشاهد لم يعرفها تاريخ تونس السياسي .

نسأل الله ان يحمي بلادنا

 بقلم :   عبد الحميد الجلاصي رئيس منتدى افاق جديدة 

المصدر : الصباح نيوز

Load More Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Check Also

علي باقري وزيرا للخارجية في إيران

علي باقري وزيرا للخارجية في إيران أعلنت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا)، اليوم الإث…