Home أخبار نوفل سلامة يكتب: معضلة الفسفاط..أين المشكل؟!

نوفل سلامة يكتب: معضلة الفسفاط..أين المشكل؟!

0 second read
2
0

كتب: نوفل سلامة

تحولت مادة الفسفاط منذ اكتشافها في بلادنا في أواخر القرن التاسع عشر على يد الطبيب البيطري الفرنسي فيليب توماس 1885 وتأسيس شركة فسفاط قفصة ودخولها حيز العمل والإنتاج في شهر مارس من سنة 1897 إلى أحد الركائز الأساسية للاقتصاد التونسي…

وأبرز رافعات التنمية ومن أهم المصادر المالية التي يلجأ إليها لتعبئة خزينة الدولة بما يوفره بيع هذه المادة من عائدات مالية معتبرة شكلت مع قطاعات أخرى كالتمور وزيت الزيتون وعائدات عمّالنا بالخارج المتنفس للمالية العمومية…

جودة الفسفاط

وقد زادت قيمة هذه الثروة الطبيعية التي تختص بها تونس بداية من القرن العشرين حينما تم تأكيد جودة الفسفاط التونسي وتصنيفه ضمن نوعية جيدة للغاية ما جعلته يحتل المرتبة الأولى عالميا، من حيث الجودة والمرتبة الخامسة من حيث الطاقة الإنتاجية…
 وقد وزاد الاهتمام بهذه المادة أكثر بعد التحول الذي حصل في انتاج هذه الطاقة الحيوية واستعمالها كبديل للأسمدة المُذابة، ومنذ ذلك التاريخ أصبح الفسفاط أحد الموارد الهامة لتعبئة الميزانية وتوفير السيولة اللازمة لتغطية نفقات الدولة والاستجابة إلى حاجيات المواطن بما يغنيها عن التداين حيث وصل الإنتاج إلى أعلى مستوياته سنة 2010 بنسق انتاج بلغ 8.3 مليون طن و بقيمة عائدات فاقت 2 مليار دينار وبعدد من العمال في شركة فسفاط قفصة والمجمع الكيميائي لم يتجاوز 11 ألف عون….

التسعينات فترة ازدهار

كما عرف تصدير الفسفاط بأنواعه المختلفة خلال مرحلة التسعينات من القرن الماضي ذروته القصوى باحتلاله المرتبة الخامسة في تصدير الفسفاط الخام حيث غزا أسواق زهاء الخمسين دولة في العالم من أهمها السوق البرازيلية والصينية والفرنسية والايطالية، وأسواق أخرى في عدد من الدول الآسيوية.

غير أن المنعرج الكبير الذي حصل وأثر في وضعية شركة فسفاط قفصة والمجمع الكيميائي وكانت له تداعيات حادة على إنتاج هذه المادة ما جعلها تتراجع إلى مستويات كارثية، كان مع ‘الثورة’ وخلال سنة 2011 وما رافق هذا الحدث الهام من اضطراب وفوضى واجتياح موجة كبيرة من الاضطرابات والاعتصامات والاحتجاجات للمطالبة بنصيب من الثروة وبالحق في العيش الكريم…تسببت في ايقاف الانتاج بصفة كلية وعطلت عملية شحنه ونقله وقد أثرت هذه التحولات بصفة مباشرة على وضعية الشركة التي بدأت تعرف جملة من المصاعب حالت دون قدرتها على استئناف نشاطها ودخولها في حالة من الصعوبات المالية…
وبداية انهيار في أرقام معاملاتها وتعرضها إلى عجز كبير في مواصلة عملها وعدم القدرة على تغطية نفقاتها والإيفاء بالتزاماتها وتعهداتها.  

تحوّل إلى عبء ثقيل

إن هذا القطاع الذي كان يمثل مصدرا مهما من مصادر انتعاش الاقتصاد وأحد الموارد الرئيسية التي يعتمد عليها لخلق الثروة قد تحول في السنوات الأخيرة بعد الثورة الى عبء ثقيل يُتعب الدولة بعد أن انقلبت موازينه وبعد أن تم إغراق الشركة والمجمع بعدد كبير من الانتدابات العشوائية والموظفين الزائدين و فوق الطاقة التشغيلية، وما يحتاجه العمل تم الاستجابة إليها تحت إكراه النقابات وضغط الأهالي وبغاية ‘شراء’ السلم الاجتماعي وتهدئة الأوضاع الاجتماعية التي عرفت احتقانا شديدا في صفوف الشباب نتيجة تخلف الوعود السياسية بتحسين الأوضاع وتحقيق الأهداف الرئيسية التي من أجلها وعليها قامت الثورة…

وظائف وهمية وشركة غارقة!

وفي مقدمتها توفير مواطن شغل للعاطلين عن العمل حيث تم انتداب قرابة 6000 عون زائدين عن حاجة المجمع الكيميائي وخلق وظائف وهمية وتأسيس شركة لاستيعابهم تعنى بالبيئة والبستنة و 7000 عون في شركة فسفاط قفصة و 1600 عون في شركة  نقل الفسفاط…
ورغم كل التوظيف الزائد ورغم كل هذا الضخ الهائل من العمال فإن المأمول لم يحصل والتعافي تأخر ليتواصل تراجع الإنتاج إلى مستويات خطيرة الأمر الذي أدى إلى خسارة الكثير من الأسواق وتراجع حضورنا العالمي على حساب بلدان أخرى استغلت حالة التراجع وحالة الفراغ الذي أنتجه تراجع الفسفاط التونسي.

عشرية من الفشل!

واليوم وبعد عشرية كاملة من التراجع في الإنتاج والحضور وما تبعه من خسارة أموال طائلة، وما رافقه من ضياع الأسواق والمكانة العالمية فإن المأمول أن يعود الوضع الطبيعي لهذا القطاع وأن تسترجع الدولة هذا المجال الحيوي في إنعاش الاقتصاد وتستعيد هذا المورد الهام في تعبئة خزينتها…

ويبدو أن هناك بداية انفراج في الأفق وبداية انتعاشة في الطريق ولو بصفة محتشمة حيث عرف الإنتاج خلال سنة 2023 عودة استبشر لها الجميع من خلال إنتاج قرابة 3.7 مليون طن مما انجر عنه ارتفاع في العائدات المالية في وقت تمر فيه البلاد بضائقة كبيرة، وتحتاج إلى عودة هذا القطاع للتخفيف من حدة الازمة المالية والمأمول اليوم ليس العودة إلى نسق انتاج في سنوات المرجع قبل الثورة لما كان الإنتاج يصل إلى 8 و9 مليون طن في السنة..وإنّما المأمول هو الوصول إلى مستوى إنتاج في حدود 5.6 مليون طن لو أمكن ذلك.

أمر محيّر فعلا؟

إن الأمر المحيّر والمسألة غير المفهومة في ملف الفسفاط هو في الوقوف عند الأسباب التي حالت دون العودة الكلية لكل جهات الإنتاج حيث اقتصر الإنتاج على جهتى المتلوي و المظيلة في حين تواصل التعطيل في كل من جهة الرديف وأم العرائس والكاف وتواصل إشكال نقل الفسفاط داخل المناجم وخارجه وهي وضعية وإن كانت مفهومة في زمن الحكومات المتعاقبة بعد الثورة لأسباب كثيرة منها سياسة التوافقات السياسية والاكراهات النقابية، وما عُرف بمراعاة سياق الثورة والتعاطي مع الاحتجاجات بأسلوب ناعم و متفهم للشباب الغاضب من ظروف التنمية فإن الوضع بعد منعرج 25 جويلية 2021 وكل الطموحات والآمال التي رافقته في تصحيح المسار الثوري بما يعيد للدولة هيبتها وقوتها في التحكم في كل شيء بما في ذلك إدارة قطاعات الإنتاج المتوقفة بسبب الاحتجاجات وتحكم النقابات….

فهل أن المشكل يكمن في الإرادة السياسية المفقودة التي كنا نتهم بها فشل حكومات ما قبل 25 جويلية في عجزها عن فك معضلة تعطل انتاج الفسفاط؟ ولكن هذه الإرادة هي اليوم متوفرة وموجودة وقد صرح بها رئيس الجمهورية قيس سعيد في عديد المناسبات آخرها كان في كلمته التي ألقاها في مجلس الأمن القومي الذي عقد مؤخرا في شهر أفريل الماضي و خصص لقطاع الفسفاط

 والذي دعا خلاله الحكومة إلى تجاوز كل الصعوبات والعراقيل المانعة من عودة الإنتاج إلى مستوياته المرجعية في سنة 2010 ومواصلة محاربة الفساد في هذا القطاع بعد أن أشار إلى صفقة شراء عربات لنقل الفسفاط التي تبين أنها غير مطابقة لمنظومة السكك الحديدية التونسية.

أم أن المشكل في عدم قدرة الحكومة الحالية رغم ما يتوفر لها من دعم سياسي قوي من طرف أعلى هرم في السلطة وإسناد قوي من القوى الصلبة من شرطة وحرس وجيش لتجاوز معوقات الحكومات السابقة في التعاطي مع احتجاجات العاطلين عن العمل وإيجاد حل عملي لمعضلة تعطيل آلة الانتاج والانتهاء مع ظاهرة الاعتصامات وحركات الغضب الشبابي خاصة في معتمدتي الرديف وأم العرائس والتغلب على المتحكمين في نقل الانتاج داخل المناجم الذين يفرضون نقل كمية معينة  يوميا  لا تتجاوز 1.3 ألف طن في حين أن المقدور عليه هو نقل 5 آلاف طن هذا دون أن ننسى التعطل في نقل الفسفاط خارج المناجم عبر السكك الحديدية والذي يسبّب خسائر كبيرة للشركتين حيث يتكفل قطار وحيد بعملية النقل.

تكليف الجيش؟

هل يكمن الحل لاستعادة هذا القطاع قوته ونسق إنتاجه في سنوات المرجع في جعل إشرافه تحت المؤسسة العسكرية وتكليف الجيش والقوى الصلبة بإدارة كل العملية الانتاجية وخاصة عملية النقل علما وأن كل الحكومات المتعاقبة بما في ذلك الحكومة الحالية حكومة تصحيح مسار الثورة قد عجزت عن التغلب على كل الاكراهات و الإحراجات والمعوقات؟
أم أن الحل يكمن في التخلي عن فكرة اعتبار الفسفاط أحد مكونات التنمية وإخراج هذا القطاع من دائرة التأثير الاقتصادي وجعل الشركات التي تشرف عليه من ضمن الشركات الوطنية لا يعول عليها كثيرا في بناء التنمية وبالتالي التفكير في طرق ووسائل مغايرة لتوفير موارد أخرى لتمويل خزينة الدولة والمالية العمومية، وبهذا يتم إضعاف تأثيره وإخراجه من دائرة التجاذبات وإضعاف رهانات أصحاب المصالح عليه وجهات الفساد التي تراهن على القطاع لتحقيق الربح وكسب المال بطرق ملتوية.    

المصدر : الصريح

Load More Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Check Also

أمين قارة يكشف سبب مغادرته قناة الحوار التونسي

أمين قارة يكشف سبب مغادرته قناة الحوار التونسي في أول تصريح له نفى الصحفي أمين قارة في برن…