Home أخبار نوفل سلامة يكتب/ مخاطر استخراج الغاز الصخري: ويتواصل التحايل على هذا الشعب (2/1)..

نوفل سلامة يكتب/ مخاطر استخراج الغاز الصخري: ويتواصل التحايل على هذا الشعب (2/1)..

0 second read
2
0

كتب: نوفل سلامة  

عادت مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات إلى فتح ملف الطاقة من جديد بعد أن كانت قد فتحته بعد الثورة ويحسب لها أنها اشتغلت عليه بكثافة في تلك الفترة من منظور مقاربة تاريخية قانونية وواقعية…

وكان الهدف من هذه الدراسة معرفة حقيقة ما تم الاتفاق عليه مع المستعمر القديم الذي أبرمت معه دولة الاستقلال ست اتفاقيات سنة 1955 هي مكملة لبروتوكول الاستقلال لسنة 1956 اتضح بعد تحليلها أنها مكبلة للإرادة السياسية وتكتسي خطورة كبرى في كونها تمثل امتدادا للاستعمار القديم ومواصلة لتدخل الأجنبي في القرار السيادي للدولة والشعب…

وبعد أن استضافت المؤسسة على مدار أسابيع طويلة وخلال سيمنارات كثيرة العديد من الخبراء والمختصين والمهتمين بالمجال الطاقي والعارفين بالقطاع وخفاياه من أهل المعرفة والخبرة الفنية في اتجاه معرفة حقيقة ما نتوفر عليه من مصادر طاقية وحقيقة مخزوننا من موارد طبيعية هي اليوم محل تساؤل وشك حول ما يقدمه الخطاب الرسمي من معلومات و معطيات وأرقام حول مواردنا الباطنية التي يروج المسؤولون في الدولة أنها قليلة وشحيحة…

مخزون طاقي كبير

وذلك على خلاف ما يقوله العارفون والخبراء من كون تونس رغم صغر مساحتها فإنها تتوفر على مخزون طاقي يكفي لتحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الطاقي الذي يغنينا عن توريد النقص الحاصل من الحاجيات الداخلية من الطاقة الذي يمثل أحد إكراهات العجز في الميزانية، ويتسبب سنويا في هدر الكثير من أموال المجموعة الوطنية من العملة الصعبة فقط لو وضعنا نظام رقابة جيد ونظام حوكمة فعال و حاربنا الفساد في هذا القطاع…
فبالقليل مما هو متوفر لدينا من موارد باطنية وبقليل من الحوكمة والرقابة المسؤولة على انتاجنا يمكن أن نعيش أفضل وأحسن ونحقق سيادتنا على أراضينا ومقدراتنا.

واقع الحرب الروسية ـ الاوكرانية

وعودة الحديث عن ملف الطاقة هذه المرة فرضه الواقع الدولي وما يحصل من حرب بين روسيا وأوكرانيا وما خلفته هذه الحرب من أزمة عالمية في الغذاء والطاقة نتيجة توقف هاذين البلدين، وهما من أكثر البلدان انتاجا للغاز و لمادة القمح بنوعيه الصلب واللين عن إمداد الكثير من دول العالم بهذه المنتجات وهي المواد الأكثر استهلاكا لدى الشعوب والكثير من المواد الفلاحية الأخرى التي توردها الدول لغذاء شعوبها… وتونس هي من البلدان التي تورطت في هذا المشهد العالمي المأزوم وربطت مصير شعبها وأمنه الغذائي بما تورده من مواد فلاحية وطاقية من هذين البلدين.
ولكن عودة هذه المرة للحديث عن ملف الطاقة يأتي في سياق مختلف عن كل السياقات السابقة بعد أن ظهرت معطيات جديدة كشفت عنها الحرب الروسية الأوكرانية ومعطيات أخرى في الممارسة السياسية للحكومات المتعاقبة…والتي تكشف عن قرارات خطيرة تم اتخاذها وتمش خطير في تناول هذا الملف الحساس والمعقد والمثقل بإرث تاريخي طويل و ممارسة فاسدة ومتحايلة متواصلة إلى اليوم في علاقة بالمواصلة في نفس النهج القديم الذي أضر بمقدراتنا باتخاذ خيارات فيها ضرر كبير بحياة الشعب وبما يتوفر في باطن الأرض من مخزون من مصادر طاقية…

وللحديث حول هذا الملف الحارق والمعتّم عليه من قبل الإعلام وفي الخطاب السياسي الرسمي والحزبي والجمعياتي استضافت المؤسسة كلا من الأستاذة فوزية باشا عمدوني المتخصصة في عقود النفط والناشطة في المجتمع المدني والسيد رضا مأمون الخبير الدولي في مجال الطاقة في ندوة يوم السبت 23 أفريل الجاري حول موضوع ” مخاطر استخراج الغاز الصخري ببلادنا “
خير المتدخلون في هذا اللقاء عدم الحديث فيما تم تداوله في اللقاءات السابقة التي احتضنتها المؤسسة في علاقة بموضوع مراقبة الشركات الأجنبية التي تتولى البحث والاستكشاف والتنقيب والإنتاج وكل العقود المبرمة معها والتي كشف الاطلاع عليها عن فساد كبير في عدم مراقبتها ومحاسبتها المحاسبة الدقيقة…
وفي علاقة بغياب العدادات في الكثير من الحقول النفطية والغازية وهو موضوع أثار جدلا كبيرا ولا يزال وفي علاقة بدور الشركة التونسية للأنشطة البترولية التي تشرف على مجال الطاقة والتي تحوم حولها وحول الماسكين بها الكثير من شبهات الفساد وفي موضوع السياسة الحكومية المتبعة وعملية التعتيم في الخطاب الرسمي حول حقيقة مصادر طاقتنا وحقيقة انتاجنا وحقيقة ما أمضت عليه دولة الاستقلال من اتفاقيات فجر خروج المستعمر الفرنسي من أراضينا..

الغاز الصخري

في هذا اللقاء تم التركيز في المداخلة الافتتاحية التي قدمها السيد رضا مأمون على موضوع إنتاج الغاز الصخري الخيار الذي اتضح اليوم أن الدولة التونسية ماضية فيه رغم ما خلفه هذا الموضوع من جدل كبير و ما لقيه من معارضة شديدة في سنة 2012 في زمن حكومة الترويكا الأولى في عهد وزير الصناعة والتجارة الأسبق محمد الأمين الشخاري والتي أجبرت الحكومة وقتها على التخلي عن المشروع بعد انتفاضة قوية وواسعة للمجتمع المدني الذي تحرك بقوة ضد هذا الخيار…

غير أنه يعود اليوم من خلال دراسة أعدتها الحكومة سنة 2018 والتي تفيد أن الحكومة ماضية بثبات وعزيمة نحو الموافقة على إنجاز هذا المشروع الذي يقول عنه الكثير من الخبراء في المجال الطاقي أنه خطير لما يسببه من أضرار بالبيئة والمائدة المائية وما يخلفه من تداعيات على خصوبة التربة وعلى المجال الفلاحي.
وللتذكير فإن غاز الشيست أو الغاز الصخري هو نوع من الغاز الطبيعي يوجد داخل الصخور في الطبقات الأرضية داخل الأحواض الرسوبية محبوسا بين طبقات الأحجار ويتم استخراجه من خلال القيام بعملية تفتيت لتلك الصخور وهي عملية معقدة تستخدم فيها تقنيات مختلفة منها تقنية الحفر المائي… بما يعني أن هذا النوع من الغاز يحتاج إنتاجه إلى كميات كبيرة من الماء المؤدي إلى استنزاف المائدة المائية وتلويث المحيط والبيئة بما يفرزه من مواد سامة، وما يخلفه من تحريك الزلازل..ومن أضرار أخرى على خصوبة التربة التي نحتاجها في الزراعة نتيجة تسرب هذا الماء المستخرج والملوث..

 مشروع مثير للجدل

وتقول التقديرات المعلن عنها أن البلاد التونسية تتوفر على احتياطي من الغاز الصخري يقدر بـ  ” 114 تريليون قدم مكعب ” وتأتي في المرتبة الرابعة في شمال أفريقيا بعد الجزائر وليبيا ومصر وهذه المعطيات التي تتحدث عن مخزون محترم من غاز الشيست هي التي تجعل الشركات العالمية  تحرص بشدة على القيام بعمليات استكشاف في تونس وتضغط حكومتها والحكومات الأجنبية  الأخرى من أجل دفع الحكومة التونسية على الذهاب في هذا الخيار وفرضه بكل الطرق.
و المشكل الذي نقف عليه اليوم في ملف إنتاج الغاز الصخري كون الحكومة الحالية والحكومات السابقة ماضية في هذا الخيار رغم أن الدراسات والأبحاث التي أجريت على هذا النوع من الغاز تؤكد على خطورته فضلا على ما يشوبه من تلاعب وتحايل في التعاطي معه من قبل الماسكين بهذا القطاع الحيوي والذين لا يزالون إلى اليوم في مواقعهم ويمارسون نفس السياسات القديمة في تسيير هذه الملفات…

المراقبة شبه مستحيلة؟

والسؤال المطروح اليوم إذا كانت الدولة عاجزة عن التحكم فيما تنتجه من غاز وبترول تقليدي وعاجزة عن مراقبة ما يتم انتاجه من قبل الشركات الاجنبية العاملة في بلادنا وعاجزة عن معرفة حقيقة الكميات المستخرجة من أراضينا لغياب العدادات وضعف القدرة على الحوكمة والرقابة اللصيقة نتيجة عقود واتفاقيات مكبلة…
فكيف يمكن لهذه الدولة وهذه حالها أن تراقب ما هو موجود تحت الأرض وأن تتحكم في المخاطر التي قد تنجر عن هذا النوع من التنقيب ذلك أن التجربة قد اثبتت أن نفس الأشخاص ونفس الهياكل ونفس المسؤولين الذين تسببوا في فساد كبير في مجال الطاقة هم أنفسهم اليوم من يديرون ملف الغار الصخري وأن نفس الشركات التي تلاعبت وتحايلت على الدولة التونسية بإرادة أبنائنا وخياراتهم الفاشلة من وراء عقود واتفاقيات أبرمت لصالحها هي نفسها اليوم من يضغط للحصول على رخص تنقيب واستغلال في هذا المجال ويدعمهم في ذلك أبناء جلدتنا من إعلاميين ونواب وسياسيين ومسؤولين حكوميين وإطارات دولة.

تونس ليست أمريكا

المغالطة التي وقفنا عليها هي أن من يدافع عن خيار الغاز الصخري بديلا عن الطاقة التقليدية ويروج على أنها هي الحل الأمثل لتغطية النقص من مادة النفط والغاز الطبيعي لتغطية الحاجيات الداخلية والتقليص من العجز الطاقي يقدمون حجة أن كلفة انتاج الغاز الصخري هي حاليا أرخص من كلفة إنتاج مصادر الطاقة الأخرى…
وأن الولايات المتحدة الأمريكية قد إختارت هذه المقاربة وهذا الخيار لتوفير الطاقة اللازمة لتوليد الكهرباء وهي بذلك مثالا يحتذى به على البلدان التي راهنت على هذا النوع من الطاقة البديلة ونجحت فيه…
والحال أن أمريكا ليست تونس وأنه لا مقارنة بين البلدين من حيث المساحة والمقدرات في حين أن بلادنا مساحتها صغيرة و قدراتنا محدودة بما يجعل من الأجدى الحفاظ على مقدراتنا من كل تلوث أو إتلاف أو ضياع…
ومن الأجدى كذلك الحفاظ على مائدتنا المائية التي تشكو تراجعا في مخزونها بعد أن تعالت الأصوات محذرة من حصول أزمة مائية في السنوات القادمة بعد أن أصبحت تونس مصنفة من ضمن البلدان المهددة بالعطش و من البلدان الفقيرة مائيا لكل ذلك فقد كان من الأجدى أن نحافظ على أراضينا التي هي مصدر فلاحتنا ومصدر غذائنا والطريق لتحقيق أمننا الغذائي وهذا لا يتوفر إلا إذا حافظنا على الماء الذي يتعرض اليوم إلى عملية إجرام كبرى بدعوى البحث عن مصادر طاقة بديلة وبدعوى تعبئة موارد الدولة وخزينتها الفارغة من وراء إنتاج الغاز الصخري .. لقد كان من الأولى التفكير بطريقة أخرى والتفكير في خيارات مختلفة والتفكير في مصادر للطاقة بديلة عوض المراهنة على مشروع غاز الشيست والذهاب نحو الطاقات النظيفة والطاقات الأقل ضررا بالإنسان والبيئة نحو الطاقة الشمسية البديل الأكثر نجاحا لتوفير الطاقة اللازمة لتوليد الطاقة الكهربائية التي نحتاجها في الاستعمال المنزلي وفي المصانع وإنارة الشوارع وتحلية ماء البحر الذي نحتاجه في الزراعة وحتى تشغيل السيارات وتوفير مواطن شغل بالقدر المطلوب بما توفره من مجالات عديدة في قطاع الخدمات وغيرها…

ما هو مؤكد اليوم هو أنه لدينا أزمة خيارات استراتيجية وأزمة في السياسات العمومية وأزمة في التصورات الخاطئة وأزمة أخرى في القيادة وأزمة في السياسيين وفي من يدير اليوم الشأن العام، ومن يتحكم في أخذ القرار وأزمة في وجود طبقة من المسؤولين غير الصالحين لحماية مقدرات البلاد والقادرين على الدفاع عن مصالحها..

خيار خطير

اليوم نحن أمام خيار خطير بعد أن وافق الجميع على الدراسة التي أنجزت حول خيار الغاز الصخري سنة 2018 وهي دراسة غير معلن عنها وغير منشورة ولم يقع تداولها بالقدر المطلوب لأهميتها على مقدرات البلاد وحياة الأجيال الحاضرة والأجيال القادمة…
من المؤكد اليوم أننا نعيش مرحلة خطيرة هي أخطر من واقع الاحتلال ونعيش وضعا مع هذه النوعية من المسؤولين الذين اتضح أنه لا يمكن أن نأتمنهم على مستقبلنا وعلى حياتنا وهذه القيادة السياسية المتخاذلة والعاجزة عن الحفاظ على ثرواتنا والدفاع عن مصالحنا .. نعيش وضعا هو أخطر مما فعله الاستعمار في بلادنا حين نهب وسرق وقتل .. نعيش حالة من الغش والتحايل المتواصل والتلاعب بعقولنا و خيراتنا وبمقدراتنا وتحايل على هذا الشعب الذي يريدون أن يقنعوه بأن مستقبله وحله للازمة المالية الخانقة وعجزه عن خلق الثروة وتوفير العمل في الذهاب نحو خيار الغاز السيشت والإضرار بالطبقة المائية وتلويث الأرض كما تحيلوا عليه فجر الاستقلال حينما أوهموه باستقلاله فأداموا الاستعمار والتدخل الأجنبي وكبلوه باتفاقيات خطيرة قالوا أنها مكملة للاستقلال هي أخطر من الاستعمار ذاته .. بالأمس تواطؤوا بأن جعلوا البلاد مزبلة تلقى فيها فضلات الآخرين واليوم يريدون الاقناع بخيار الغاز الصخري لتدمير الأرض وإتلاف المائدة المائية والقضاء على الفلاحة وما ينتج من تلويث البيئة والمحيط والحال أن الحل أمامهم والبدائل موجودة ومتوفرة والخيار واضح وهو الطاقة الشمسية الخيار الذي يتجه إليه كل العالم في المستقبل .. وللحديث صلة. 

المصدر : الصريح

Load More Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Check Also

إرتفاع قيمة صادرات المواد الفلاحية البيولوجية بـ 24،5 %

إرتفاع قيمة صادرات المواد الفلاحية البيولوجية بـ 24،5 % بلغت قيمة صادرات المواد الفلاحية ا…