Home أخبار نوفل سلامة يكتب/ مأزق الأمة دينها الإسلام: لا وجود لأمة من دون دولة ولا دولة من دون أمة…

نوفل سلامة يكتب/ مأزق الأمة دينها الإسلام: لا وجود لأمة من دون دولة ولا دولة من دون أمة…

0 second read
2
0

كتب: نوفل سلامة  

في محاولة للهروب من ورطة الإسلام دين الدولة التونسية ومأزق أن الدولة دينها الإسلام، وكل الاستتباعات التي يوجبها الفصل الأول من الدستور الحالي بصيغته الحالية التي تم إقرارها في دستور سنة 1959 وصمدت لأكثر من نصف قرن على منظومة القوانين والتشريعات ومنظومة القيم والسلوك…

وفي محاولة لقطع الطريق أمام حركات الإسلام السياسي وعلى الأحزاب ذات المرجعية الدينية من التواجد واحتكار التكلم بإسم الإسلام كما يقول منسق الهيئة الوطنية الاستشارية لإعداد دستور الجمهورية الجديدة الصادق بلعيد… وفي محاولة لإنهاء المعركة قبل الأخيرة التي تخوضها القوى العلمانية مع الدين الإسلامي – المعركة الأخيرة حسب نائلة السليني هي معركة المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة – ومع كل توجه ونفس ديني في هذه البلاد اتفقت الجماعة من ” الفقهاء الجدد ” أن يتخلوا عن الفصل الأول من الدستور الحالي عند كتابة دستور جديد، وأن يفكوا الارتباط نهائيا مع مسألة هوية الدولة…

للأمة دين…

وبذلك يكونون قد انهوا أي تأثير للدين في الدولة وقوانينها ومؤسساتها نحو تأسيس جمهورية جديدة لا هوية للدولة فيها ويقدمون بدلا عن ذلك مقترحا ومشروعا آخر تقول عنه التسريبات الأولى أنه سوف ينسب الدين للأمة التونسية بدل الدولة التونسية على اعتبار أن الدولة في الفكر السياسي، هي كيان معنوي غير موجود إلا في الاذهان وهي مسألة متخيلة وبالتالي فمن غير المنطقي والعقل أن تنسب هوية لكيان غير موجود في حين أن الهوية الدينية تنسب للأفراد وللكيان الطبيعي لذلك فإنه من المعقول جدا أن يكون للأمة دين يعبر عنها، وعلى هذا فإن المقترح هو فصل جديد نصه: “تونس دولة مستقلة ذات سيادة، دين الأمة الاسلام والدولة تسهر على تحقيق مقاصده”
فهل يستقيم هذا الكلام؟ وهل يمكن فعليا أن ننسب للأمة هوية معينة؟ وما علاقة دين الشعب بدين الأمة؟
وهل حينما نغير التنصيص عن الهوية الدينية من الدولة إلى الأمة نكون قد حللت المشكل التاريخي والمأزق المفاهيمي؟ وأخيرا إلى أي مدى يصدق القول على الكيان المعنوي للدولة على الأمة خاصة إذا علمنا أن مفهوم الأمة في فكر ما بعد الحداثة هو كذلك مفهوم متخيل وحالة شعورية لا وجود لها على أرض الواقع وبالتالي فهي كيان معنوي هي الأخرى؟ فهل وُفق الفقهاء الجدد حينما استبدلوا الأمة بالدولة في تحديد هوية البلاد التونسية؟

تاريخ متقلّب

بالرجوع إلى فكر ما قبل الحداثة نجد لفكرة الأمة وتشكلها وتكونها تاريخ طويل متقلب وغير ثابت، فالأمة في العصور القديمة لها مفهوم متحرك ومعقد أثرت فيه الكثير من العوامل حتى تشكل في صيغ مختلفة فالأمة في زمن الإغريق والرومان كان مرتبطا بالموقع الجغرافي ويستخدم المفهوم للدلالة على انتماء مجموعة بشرية ما إلى جهة تربية ما أو إلى مكان الولادة وبالتالي ارتبط مفهوم الأمة قديما بمكان المولد بالانتساب إلى جهة معينة…
ونجد هذا التقسيم حينما نتحدث عن الأمم المسيحية واليهودية التي كانت تقطن جهات معينة وأماكن معروفة في مواجهة الأمم الاخرى الذين اطلق عليهم تسمية ” تا اثني ” وتعني الأمميين…
ثم اصبح مصطلح الأمة يطلق مع الإغريق القديمة على أنواع معينة من الجماعات البشرية التي تشترك في صفات متشابهة أهمها صفة العرق والجد الأول وفي الحقبة الرومانية كان المصطلح أكثر وضوحا حينما أطلق الرومان على أنفسهم مصطلح  ‘بوبيولوس رومانوس’ وتعني الشعب الروماني الذي يتميز بخصائص محددة وواضحة يمكن بها أن تميز الفرد الروماني عن غيره من افراد الشعوب الأخرى وخصصوا المصطلح الاقل أهمية ” ناشيو ” ويعني الأمة للإشارة إلى القبائل البربرية البعيدة ثم مع الوقت تحول هذا المصطلح الأخير ليصبح يشير إلى كل الشعوب وخاصة الأقوام والشعوب المختلفة.

تحوّل عميق

أما فكر ما بعد الحداثة الذي قام على القطيعة مع كل ما له صلة بما قبلها من معرفة ومفاهيم ومصطلحات فقد عرف مفهوم الأمة تحولا عميقا ليرتبط في مرحلة أولى بمفهوم القومية، ويجعل الأمم في تكوّنها وتشكلها نتاج القوميات التي أنتجت الدول الحديثة باعتبارها أي القومية حركة ايديولوجية ظهرت في القرن الثامن عشر لتحرير الأوطان من المستعمر والحصول على الاستقلال الذاتي والحفاظ على الوحدة والهوية نيابة عن السكان الذين يكونون في الغالب أمة فعلية أو محتملة.
ثم في مرحلة متقدمة تحوّل مصطلح الأمة ليشير إلى الجانب الثقافي في مجموعة بشرية معينة وإلى تحول الثقافة المشتركة إلى هوية ثقافية أو تاريخية أو سياسية جامعة لعبت دورا في التنظم الاجتماعي…

تحولات في المفاهيم

ومن هنا تحول مفهوم الأمة إلى مفهوم يفترض وجود صلات وروابط مشتركة بين مجموعة بشرية محددة في علاقة بالمصادر التاريخية والاجتماعية المشتركة والعادات والتقاليد واللغة وأنظمة الكتابة والنصوص الدينية والطقوس والصلوات الرموز والألقاب والايقونات ومظاهر الغناء والأساليب الفنية والأنساب والشعور بالانتماء للأسلاف وهذا يحيل على وجود حالة اجتماعية وثقافية ورمزية تواصلت لدى مجموعة بشرية على مدار حقب من التاريخ أدت إلى تشكل مجموعة بشرية متجانسة يطلق عليها إسم الأمة لتمييزها عن غيرها من الأمم والأمة بهذا المعنى هي مجتمع يتخيله أفراده وينتجونه ويحسونه وهذا ما يفسر كل تلك التضحيات التي تقوم بها الأمم من أجل بقائها والدفاع عن نفسها بوصفها فكرة في وجدان الشعوب.
وفي مرحلة ثالثة برز تمظهر جديد لمفهوم الأمة في صورة مجتمع سياسي ومعه تم الانتقال من مجتمع التاريخ والثقافة والقومية والدين إلى مجتمع سياسي أي مجتمع تمثله سلطة وله حكم ذاتي مؤسس في دولة إقليم تتمتع بالسيادة فالأمة في هذا المستوى تمثلها مؤسسات الدولة، وخلاصة هذا التصور أن الأمة كتعبيرة سياسية هي مجتمع وجداني يتمظهر في شكل وصورة دولة خاصة بها ومن ثم فإن الأمة هي مجتمع يميل عادة إلى إنتاج دولة خاصة بها وتمثلها فهي أي الأمة ثمرة الدولة القومية وهي تعمل لصالح الدولة بما يجعل لها صفات ثقافية تسبق صفاتها السياسية بما هي اقليم وشعب وسلطة سياسية وقوة عسكرية ومؤسسات قانونية ومنظومة تشريعية فالأمة هي المظهر الأخير والنهائي في تكون الدولة وتشكلها بما يعني أنه لا يمكن أن توجد دولة من دون أمة ولا تشكل أمة من دون أن تفضي إلى بروز دولة تمثلها…

مأزق دستوري؟

وإذا عكسنا ما وصلنا إليه من خلال هذا التحليل المبسط لتشكل الأمة وتطورها عبر التاريخ والعصور والحضارات على ما تم تسريبه بخصوص إبدال فقرة ” الإسلام دينها” في الفصل الأول من الدستور إلى عبارة ” الأمة دينها الإسلام ” فإننا نقر بكل وضوح أن من تصدر لكتابة الدستور الجديد وأن جماعة الفقهاء الجدد الذين تحولوا اليوم الى شيوخ الفتوى الدستورية في مأزق كبير وورطة أكبر…
حيث اتضح أن الأمة مثل الدولة هي مفهوم حديث من إنتاج فكر الحداثة تشكل عبر صيرورة تاريخية وهي مثل الدولة مفهوم متخيل لا وجود ملموس لها فالأمة على عكس الشعب هي كيان معنوي لا وجود له على أرض الواقع بما يعني أن من برر القناعة التي تقول بأن الدولة كيان معنوي غير طبيعي وبالتالي لا يمكن أن ننسب لها هوية وخاصة هوية دينية قد وقع في الفخ بما أنه قد خرج من مفهوم الدولة المتخيل الى مفهوم الأمة المتخيل…
وهذا يفضي إلى حقيقة وهي الأمة مثل الدولة مفهوم متخيل يعكس وجودها على أرض الواقع كل ما هو مشترك بين الأفراد والذي يعكس وجود الأمة خاصة تأسيس دولة تمثلها وتتكلم باسمها وباسم الشعب الذي يعود إليها وينتمي إليها بصيغة من الصيغ وعلى هذا الأساس فإن اعتبار هوية البلاد مرتبطة بالأمة لا بالدولة هو كلام لا معنى من قبيل السفسطة إذ أن الأمة لا وجود لها إلا مع وجود الدولة وتأسيسا على ذلك فإن القول بأن الدين هو هوية الأمة ينتهي إلى القول إلى أن هوية الأمة تمثلها الدولة بما هي سلطة سياسية ويعني كذلك أنه إذا كان الإسلام هو دين الأمة  فهو بالضرورة دين الدولة الذي يمثلها…    

المصدر : الصريح

Load More Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Check Also

منوبة: تدشين وإعادة فتح قسم الطبّ الباطني بمستشفى الرّازي للأمراض النفسيّة والعقليّة

منوبة: تدشين وإعادة فتح قسم الطبّ الباطني بمستشفى الرّازي للأمراض النفسيّة والعقليّة   أشر…