Home أخبار نوفل سلامة يكتب: لهذا عجزنا عن تحقيق استقلالنا وسيادتنا على أراضينا الفلاحية…

نوفل سلامة يكتب: لهذا عجزنا عن تحقيق استقلالنا وسيادتنا على أراضينا الفلاحية…

0 second read
2
0

كتب: نوفل سلامة  

ما زال سؤال الفلاحة متواصلا ويرافقنا إلى اليوم .. ومازالت الفلاحة ملفا لم يُغلق بعد وسؤالا مقلقا لعموم الشعب وموضوعا هاجسا ومحيرا في علاقة بعدم القدرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي الفلاحي…

في الوقت الذي تقر فيه كل الدراسات وتؤكده من أن البلاد تتوفر على مخزون كبير من الأراضي الخصبة ولها موقع جغرافي مميز ونوعية مناخ ملائم لجميع الزراعات وتتوفر على كميات من الأمطار معتبرة ومحترمة….

وضع محيّر

ومع ذلك تعيش البلاد منذ سنوات على وضع محير تعرف فيه نقصا دائما للإنتاج الفلاحي وعلى الاضطرار المتواصل لتوريد حاجياتها لتغطية النقص الحاصل حتى لا يجوع الشعب…
ونظرا لهذه الوضعية المحيّرة التي عليها فلاحتنا ارتأت مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات تخصيص ندوة فكرية ضمن سلسلة ندواتها الرمضانية تعود من خلالها إلى موضوع الفلاحة وموضوع السياسات الفلاحية وإشكالية الخيارات الحكومية منذ الاستقلال وتأسيس الدولة الوطنية إلى ما بعد الثورة لاستكمال الإجابة على سؤال لماذا لدينا فلاحة لا تحقق الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي ؟ ومواصلة الحفر في موضوع الزراعة في تونس لمعرفة مكامن الخلل والضعف وطرح السؤال الراهني هل فعلا أن تونس بلد فقير مائيا وفقير فلاحيا كما هي فقيرة في مجال الطاقة والمحروقات ما يجعلها دوما في حاجة إلى الآخر لتوفير حاجياتها وتسديد النقص الحاصل في منتوجها الفلاحي ؟ لكل هذه القضايا الحارقة استدعت المؤسسة المهندس عبد الخالق بوعقة الذي يشغل خطة مدير وحدة التصرف في الأراضي الفلاحية المسترجعة بولاية الكاف في ندوة يوم السبت 16 أفريل الجاري .

اشكالية كبرى

يعود المحاضر الأستاذ عبد الخالق بوعقة للحديث عن هذه الاشكالية إلى وضع ” الكوفيد ” وانتشار الجائحة الوبائية التي اجتاحت العالم وألقت بظلالها الكثيفة على تونس وأثرت بقوة في الوضع الاقتصادي وكان لها تداعياتها السلبية على الوضع الاجتماعي في علاقة بفقدان الكثير من مواطن الشغل نتيجة غلق الكثير من الشركات أبوابها وتراجع المردود الصناعي والتجاري.. مما أدى إلى حدوث أزمة خانقة في المجتمع وفي الدولة والحكومة لتوفير الحاجيات من الغذاء ومن المواد الأساسية ..

وضع عالمي صعب

وعاد كذلك إلى الوضع العالمي المضطرب وما يحصل فيه من حرب بين روسيا وأوكرانيا التي خلفت أزمة اقتصادية كبرى في العالم في علاقة بتزويد الدول من مادة الحبوب والشعير والبقوليات والقطنيات بالإضافة إلى الاعلاف والزيت النباتي وزيت السوجا حيث اتضح أن هذين البلدين هما المزودان الرئيسيان لكل الدول بهذه المواد الفلاحية إلى جانب دول أخرى حيث استفقنا على حقيقة مرة وهي أن تونس تستورد سنويا ما بين 54 و 60 في المائة من حاجياتها من القمح من روسيا وأوكرانيا أكبر الدول المنتجة للحبوب وأن حاجيات الشعب التونسي من هذه المواد لضمان عيشه هو في حدود 30 مليون قنطار سنويا في حين أننا لا تنتج إلا 10 مليون قنطار سنويا بما يعني أننا نبقى دوما في حالة من العجز عن توفير الاكتفاء الذاتي بإمكانيتنا الذاتية ونضطر إلى تغطية النقص الحاصل بين ما ننتجه وما نحتاجه إلى التوريد من بلدان منطقة البحر الأسود وأساسا من روسيا وأوكرانيا وبدرجة أقل من فرنسا وبلغاريا و هذا ما يجعلنا دوما تحت رحمة هذه الدول لتأمين غذائنا ويبقينا تحت وقع الصدمات وعرضة للأزمات الغذائية التي تحدث بسبب أننا لا نتحكم في ارتفاع الأسعار على المستوى العالمي وما يحدث في هذه المناطق من العالم من هزات سياسية وهو الحاصل اليوم بعد اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا وتوقف الإمداد العالمي من مادة الحبوب ومشتقاته وقرار روسيا التوقف عن بيع قمحها إلا للدول التي تعتبرها صديقة ومساندة لها في حربها مع ما شهده سعر القمح من ارتفاع نتيجة لهذه الحرب.

سؤال مركزي

بناء على هذه المعطيات يطرح المحاضر سؤالا مركزيا وهو هل فعلا أن تونس بلد غير قادر على تحقيق اكتفائه الذاتي من المواد الفلاحية ؟ وعاجز على تحقيق أمنه الغذائي؟ وأن طبيعة موقعه الجغرافي يحول دون تحقيق هذه الغاية مما يجعله دوما في تبعية غذائية ومرتبط بالأجنبي في توفير الغذاء للشعب ؟
لتحليل كل هذه الوضعية التي عليها بلادنا تحدث المحاضر بإطناب كبير على حقيقة الفلاحة في بلادنا وخلص إلى حقائق ثابتة وهي أن البلاد التونسية تتوفر على موقع جغرافي مميز مكنها من أن يكون لديها مناخ متنوع مؤهل لزراعات مختلفة ولها نوعية من التربية هي في معظمها خصبة وثرية قادرة على تحقيق انتاج زراعي محترم ما يسمح بتحقيق الاكتفاء الذاتي من مادة الخضروات والزراعات الكبرى والأشجار المثمرة ووجودها في منطقة تساقط للإمطار ما يجعلها تتوفر على كميات معتبرة من الأمطار فضلا عن الاهتمام بالبحث العلمي الزراعي الذي انجز العديد من البحوث الفلاحية لتطوير الزراعات بما يعني أن البلاد تتوفر على كل المقومات حتى تكون لها فلاحة مزدهرة وأن تكون لديها زراعات تحقق الاكتفاء الذاتي الذي يغنيها عن اللجوء إلى التوريد من الخارج لتحقيق أمنها الغذائي وحتى الحلول لمشاكل الفلاحة وما يطرأ من مستجدات في هذا القطاع يمكن التغلب عليه بإمكانياتنا الذاتية ولكن ما ينقص حتى نفك الارتباط مع الأجنبي لتوفير النقص الحاصل بين ما ننتجه وما نحتاجه و لتجاوز الصعوبات في المجال الزراعي هو الارادة السياسية الغائبة وفقدان السيادة على القرار الداخلي وفقدان الحرية في التصرف في أراضينا الزراعية.

هل يكون الحل في الفلاحة؟

لقد بان اليوم بكل وضوح من خلال ملف الفلاحة وخاصيات موقعنا الجغرافية وطبيعة أراضينا التي هي في أغلبها خصبة وملائمة للزراعة أن البلاد تتوفر على عناصر قوة ولديها من المقومات ما يجعلها بلدا متقدما بفضل الفلاحة، وأن الفلاحة اليوم يمكن أن تكون حلا لما تعيشه البلاد من تراجع وضعف وعجز لكن ما يكبل هذه الانطلاقة هو القرار السياسي المرتهن والخيارات السياسية المرتبطة بالأجنبي وخاصة بالمستعمر القديم . فإمكانيات فلاحتنا كبيرة ولكن ما ينقص هو القرار والخيار السياسي الذي حافظ وأبقى على الولاء للخارج الذي جعل كل الحكومات عاجزة عن تغيير هذه الخيارات الخاطئة القديمة ومنعها من القطع مع السياسات التي رسمت لنا والتزمنا بها…
والسؤال اليوم لماذا واصلت حكومات ما بعد الثورة في خيارات دولة الاستقلال التي اتضح أنها مضرة بالصالح العام ولم تقطع مع قرار مواصلة الهيمنة الاستعمارية ؟ ولماذا عجزت هذه القوى السياسية التي جاءت بها الثورة عن وضع منوال للتنمية يغير من أولويات البلاد و يضع خيارات بديلة فيها  مصلحة للشعب وبدل ذلك حافظت هذه القوى على المنوال القديم الذي اتضح قصوره و همش الفلاحة التي اثبتت أنها هي القطاع الذي انقذ البلاد بعد الثورة لما انهارت كل القطاعات واستطاع أن يحقق نسبة نمو جعلت البلاد تصمد أمام الانهيارات في القطاعات الأخرى وخاصة في قطاع السياحة الذي يحظى باهتمام كبير على ضعف مردودتيه.

لماذا لا تتحرك الدولة؟

والسؤال اليوم لماذا لا تهتم الدولة بالفلاحة وهي تعلم أن العجز في الميزان التجاري متأت في جانب كبير منه من العجز الغذائي الذي بلغ نسبة 5.7 في المائة سنة 2021 من إجمالي العجز الذي بلغ 12.8 بالمائة ؟ وهو عجز يكلفنا سنويا تخصيص أموال طائلة في الميزانية لتوريد الحاجيات الغذائية وهدر كميات كبيرة من العملة الصعبة كان من الأجدى أن تذهب إلى مجالات أخرى وقطاعات نحتاجها وأن تحول هذه الأموال لتحسين وضع الجهات المحرومة والمفقرة وتنمية الجهات الداخلية.
والسؤال الآخر والحالة على ما هي عليه هو كيف نفسر سكوت الحكومات المتعاقبة وتخليها عن الاهتمام بالفلاحة وعدم مراهنتها على جعلها القطاع الرئيسي في منوال التنمية وقاطرة الاقتصاد وهي تعلم أن لديها مقومات فلاحة متطورة في مقابل ما تشهده من عجز عن تحقيق الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي ؟ وكيف نفسر أننا نتوفر على 5 مليون هكتار هي مجموع الأراضي الفلاحية القابلة للزارعة في حين لا نزرع أو لا يسمح لنا إلا باستغلال خمس هذه المساحة أي في حدود  24 في المائة فقط ؟ ولماذا لا يمكن لنا أن ننتج إلا 10 مليون قنطار في الوقت الذي نحتاج فيه 30 مليون قنطار سنويا ولدييا من الأراضي الصالحة لزراعة الحبوب ما يسمح لنا بتحقيق اكتفائنا الذاتي الذي يغنينا عن توريد النقص؟
ولماذا نبقى دوما مرتبطين بالأجنبي في توفير البذور في الزراعة ؟ وكيف تخلينا عن بذورنا الأصلية وقبلنا بتوريد بذور هجينة بالعملة الصعبة و لا يمكن إعادة زراعتها من جديد لنبقى باستمرار مرتبطين في غذائنا بالأجنبي في الوقت الذي تعالت فيه الأصوات مطالبة  بضرورة اعادة تجميع بذورنا وفك الارتباط مع سياسة توريد هذه البذور المكلفة و التي تضطرنا إلى توريد ما يتبعها من أسمدة وأدوية وكل ذلك بالعملة الصعبة التي تسبب سنويا عجزا هاما في الميزانية وفي الميزان التجاري.
وسؤال آخر حول قضية السدود المهملة وضياع كميات كبيرة من مياه الأمطار سنويا – كما هو حال هذه السنة مع نزول كميات معتبرة من التساقطات – لا يمكن تخزينها سواء للاستعمال المنزلي أو للاستغلال الفلاحي بسبب تراكم كميات كبيرة من الأتربة في هذه السدود التي بلغ عددها حوالي 50 سدا مع 1000 بحرية جبلية و400 سد جبلي شيدت بأموال المجموعة الوطنية ولها القدرة على تجميع كميات كبيرة من مياه الأمطار فقط لو تم صيانتها والاعتناء بها وموضوع السدود المهملة وغير المصانة والتي تحتاج إلى عملية جهر دائمة هو ملف مسكوت عنه يدخل ضمن صور الفساد وهدر المال العام وغياب الحوكمة والمتابعة ومن نتائج هذا الإهمال أن روجت جهات معلومة أن البلاد فقيرة مائيا وأنها على مشارف أزمة مياه في السنوات القادمة نتيجة الجفاف وقلة الأمطار وهو أمر ينعكس بالضرورة على المجال الفلاحي غير أن هذا الحديث بهذه الطريقة هو تمش ممنهج لإقناع الجميع بأننا غير قادرين على تحقيق الاكتفاء الذاتي الفلاحي نتيجة حاجة الزراعة للماء الذي هو بدوره مفقود وبالتالي المواصلة في سياسية التوريد الفلاحي ومواصلة الارتهان والارتباط بالخارج في مجال الغذاء والحال أنه إذا سلمنا أن كميات التساقطات سنويا هي قليلة فإنه بقليل من الحوكمة والمتابعة والصيانة يمكننا بفضل هذا القليل من الامطار أن نحقق اكتفاء ذاتيا من الماء وأن نوفر جزءا منه للفلاحة وجزءا آخر للاستهلاك العائلي وأنه لو قمنا بصيانة سدودنا بدل إهمالها وتخليصها من الأتربة لأمكن لنا تجميع كميات كبيرة من التساقطات التي يتم هدرها وضياعها وتتسرب إلى البحر.

استقلال فعلي أم صوري؟

ما نخرج به من هذه الندوة أننا نقف مرة أخرى على اشكالية كبيرة وهي الإجابة على سؤال هل نحن مستقلون فعلا ؟ و هل نتحكم في قرارانا السياسي ونملك إرادتنا الحرة لترتيب أولوياتنا وخيراتنا الوطنية بأنفسنا ؟ وهل نحن أحرار في تقرير مصرينا بعيدا عن كل خطاب شعبوي ؟
ما انتهينا إليه في هذه الندوة و من خلال التعرض إلى ملف الفلاحة وواقع الزراعة في تونس وقضية الأمن الغذائي أن البلاد لا تملك إرادتها الحرة ولا تملك قرارها السياسي على مقدراتها وهي غير حرة في فعل ما تريد وأن استعمار متواصل ولو بطرق أخرى وهو حاضر من مداخل مختلفة ومدخل الفلاحة هو من صور هذا الاستعمار والتبعية المتواصلة وهي حقيقة تفطن لها قادة التحرير في الوطن العربي حينما أدركوا أنه لا يكفي حتى نكون مستقلين أن نخرج الجيوش الاستعمارية وأن الاستعمار يمكن أن يتواصل ويمتد بطرق وأساليب جديدة حيث كتب الزعيم الجزائري أحمد بن بلة سنة 1985 مقالا في صحيفة العرب اللندنية ” حول حقيقة أن الاستعمار لم يخرج من بلداننا وأن هناك سياسات استعمارية متواصلة وممنهجة حتى نصل إلى الاستعمار التام ” وهذه الحقيقة على مرارتها هي ما نعيشه اليوم مع ملف الفلاحة ومع ملفات أخرى مكبلة باتفاقيات أمضتها القيادة السياسية فجر الاستقلال سنة 1955 مكملة لبروتوكول الاستقلال الممضى مع فرنسا سنة 1956 وهي اتفاقيات كان من نتائجها وتداعياتها أن واصل الاستعمار حضوره وواصلت البلاد تبعيتها وخضوعها للهيمنة والاملاءات وفقدان سيادتها وقرارها السياسي السيادي وواصل المستعمر القديم التحكم في كل شيء حتى في قوت الشعب وأمنه الغذائي والطاقي والمائي والثقافي واللغوي والصناعي والتجاري .. فهل نحن مستقلون ؟ و هل صحيح أن كل ما فعلناه هو أننا أخرجنا الجيوش الاستعمارية من أراضينا أو تم إخراجها بإرادة خارجية ولكن في المقابل سمحنا بإرادتنا أن يتواصل حضور المحتل ويتمدد ليكون الوضع ما بعد الاحتلال  أخطر من وضع الاستعمار . يقول المؤرخ توفيق البشروش ” إن بورقيبة قدم تعهدات أكيدة لفرنسا بالولاء الدائم لها. وأن وثيقة الاستقلال تكرس مواصلة الهيمنة الفرنسية وهي أكثر من ذلك كتبت باللغة الفرنسية وتحتوي على مصطلحات حين تترجم للعربية ترجمة أمينة تفيد أن تونس ستظل محكومة بالارتباط بفرنسا في الكثير من المجالات التي نظمتها الاتفاقيات التي تم توقيعها في 3 جوان 1955 قبل سنة تقريبا من الإمضاء على بروتوكول الاستقلال في 20 مارس 1956.” …
من هنا نبدأ … ومن هنا تبدأ القصة …

المصدر : الصريح

Load More Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Check Also

نبيل عمار يؤكد الحرص على مزيد الارتقاء بالتعاون بين تونس والكامرون

نبيل عمار يؤكد الحرص على مزيد الارتقاء بالتعاون بين تونس والكامرون انطلقت، اليوم الجمعة با…