Home أخبار نوفل سلامة يكتب/ حالة من ‘الغضب الاجتماعي’ في تونس…دراسة علمية تكشف الأسباب

نوفل سلامة يكتب/ حالة من ‘الغضب الاجتماعي’ في تونس…دراسة علمية تكشف الأسباب

0 second read
2
0

كتب: نوفل سلامة

عادت مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات إلى الملف الاقتصادي وإلى الشواغل والهواجس الاجتماعية في محاولة لمواكبة التحولات الخطيرة التي يشهدها المجتمع التونسي والتأريخ للذاكرة الوطنية في مسارها الاجتماعي المرتبط بالخيارات السياسية التي سارت عليها البلاد خلال عشر سنوات بعد الثورة…

المأزق الاجتماعي

ونجدها اليوم تتواصل وللحديث حول المأزق الاجتماعي الذي تعيش على وقعه الحكومات، وفي محاولة فهم الأسباب العميقة التي تجعل من المجتمع التونسي مجتمعا في عمومه غاضبا وغير مرتاح على وضعه الاجتماعي وقلقا على مستقبله…

ما جعل منه مجتمعا كثير الاحتجاج على وضعه وعلى الخيارات والسياسات المتبعة من قبل من تولى إدارة الشأن العام حتى بعد حدث 25 جويلية الذي حمل معه آمالا عريضة ومنسوبا عاليا جدا من الثقة والتفاؤل، استدعت المؤسسة الدكتور ” عزام محجوب ” أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية والمتخصص في قضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية في ندوة فكرية عقدت يوم السبت 14 ماي الجاري…

تزامنت هذه الندوة مع الإعلان عن الانتهاء من دراسة مهمة كان قد أشرف عليها الدكتور عزام محجوب مع ثلة من الأساتذة الجامعيين بطلب من المنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية حول غياب المساواة في تونس وذلك للإجابة على سؤال مركزي كثيرا ما يطرح في الآونة الأخيرة لفهم الأسباب التي تجعل التحركات الاجتماعية والاحتجاجات الشبابية تتصاعد وتحافظ على استمراريتها في الوقت الذي كان من المفروض أن تكون الثورة قد جلبت معها حلولا وإجابات لسؤال الكرامة والعدالة الاجتماعية الشعار الكبير الذي قامت عليه…

يعتبر الدكتور عزام محجوب أن السؤال المطروح في الدراسة له قصة طويلة مع ظاهرة اللا مساواة في تونس ومع حالة مستشرية وهي في تمدد مستمر من غياب العدالة الاجتماعية بين أفراد المجتمع… وطالما لم نفكك هاتان الظاهرتان فإنه لا يمكن لرجل السياسة أن يفهم كيف ولماذا يتواصل الغضب الاجتماعي ولماذا تتواصل الحركات الاحتجاجية في صفوف الشباب ولدى الكثير من الشرائح الاجتماعية؟

فمسألة التفاوت وعدم التوازن وانعدام المساواة والحق في نصيب عادل من الثورة هي كلها مسائل نجدها في قلب الشعار الذي رفعته الثورة التونسية والمطلب الذي نجده يتردد في كل ثورات الربيع العربي، وفي كل الحركات الاحتجاجية التي تزامنت مع قيام الثورة التونسية في فرنسا مع حركة السترات الصفراء وفي الجزائر مع حراك ” قع فاسدين ” وفي لبنان وشعارهم المرفوع ” كلكم فاسدون ” وفي العراق والسودان ومعارضتهم تواصل المنظومة القديمة ممارسة الحكم…

الغضب الاجتماعي

انتهت الدراسة إلى أن السبب الرئيسي الذي يؤجج باستمرار الغضب الاجتماعي ويجعل الحركات الاجتماعية تواصل احتجاجاتها هو وضع اللا مساواة بين الأفراد وغياب العدالة الاجتماعية في مختلف السياسات والخيارات الرسمية وتواصل منسوب الشعور بالظلم الاجتماعي في الارتفاع، والملاحظ أن حالة انعدام المساواة هي مسألة ليست وليدة اليوم وإنما تعود بوادرها الأولى إلى ثمانينات القرن الماضي…

كما أنها ليست خصيصة تونسية وإنما هي ظاهرة عالمية عرفتها كل المجتمعات لكن في تونس كان ظهورها مع بناء الدولة الوطنية وفشل السياسات العمومية التي لم تستطع أن تحد منها أو أن تحاصرها لتبقى هذه الظاهرة إلى اليوم تغذي وتدفع الناس إلى الخروج إلى الشوارع في حركات احتجاجية غاضبة على واقع اللامساواة الاجتماعية وعلى فقدان العدالة في توزيع الثروة..

محاولة للفهم

يجب الاعتراف بأن هذه الدراسة التي بين أيدينا اليوم ونضعها للنقاش قيمتها تكمن في كونها محاولة للفهم ومحملا معرفيا لتفكيك ظاهرة انعدام المساواة غايتها تمكين المشتغلين حول هذه القضية من معلومات ومعطيات وأرقام وتحليل علمي وميداني يساعدهم على التحرك والنشاط في مجال المدافعة والمناصرة والتعبئة من أجل تونس أفضل وواقع اجتماعي بأقل حيف اجتماعي…

فما نقدمه هو تشخيص علمي يضاف إلى الدراسات القليلة التي أنجزت حول واقع اللامساواة في تونس وجملة من الحلول والمقترحات علها تساعد على مكافحة مختلف أوجه عدم المساواة المغذية لحالة الاحتقان الاجتماعي فالدراسة مادة علمية توضع على ذمة المجتمع المدني المدافع عن الفئات الفقيرة والفئات غير المحظوظة.

تعتبر الدراسة أن ظاهرة عدم المساواة في تونس لها أوجه مختلفة وأبعاد متعددة لا تنحصر في مسألة التفاوت في الدخل والأجر والحق في نصيب عادل من الثروة الوطنية فقط، وإنما تتجاوز ذلك لتصل إلى مجال الصحة والتعليم والحصول على عمل والحماية الاجتماعية وتشمل وضع اللا مساواة وضع الفتيات والمرأة في الجهات والمناطق الداخلية أو ما يسمى بالهوامش أين نجد الفوارق تتعمق أكثر بين الجنسين بين الريف والحضر وبين المناطق الساحلية والدواخل.

أرقام مفزعة

أهم ما توصلت إليه الدراسة هي جملة من الأرقام المفزعة والصادمة جعلت من موضوع انعدام المساواة يكتسي أهمية بالغة ويعد من الاهتمامات المعرفية الخطيرة من هذه المعطيات أنه لدينا 20 ألف تونسي يمثلون 0.6% من السكان يصنفون في خانة الأثرياء في العالم الذين تفوق ثروتهم الألف مليار وذلك حسب احصائيات سنة 2013 و 2014 وحجم الثروة المهول لدى هذه الفئة القليلة من الشعب يفوق بكثير ميزانية الدولة التي وصلت في السنة الحالية إلى 57 مليار دينار…

مما يجعل الاستنتاج الذي نخرج به هو أن البلاد غنية بأغنيائها وفقيرة بفقرائها وفي مقابل تكدس الثروة لدى عدد قليل من الأفراد نجد أن 30 % من سكان تونس هم تحت خط الفقر أي لدينا أكثر من 963 ألف عائلة وحوالي 4 ملايين فرد لا يتوفرون على دخل يسمح لهم من تحقيق الحد الأدنى من العيش الكريم فآخر الاحصائيات التي تعود إلى سنة 2015 بينت أن هذه الفئات الفقيرة تعيش على أقل من 5 دنانير في اليوم مما يجعل الهوة تتسع كثيرا بين الطبقات الفقيرة والطبقة المتوسطة والطبقة التي تحتكر الثروة لديها…

من المعطيات المذهلة الأخرى أنه من خلال تحليل بيانات قائمة الرؤساء المديرين العامين والتي تضم 50 فردا يشتغلون في القطاع الخاص ويحصلون على مرتبات خيالية نذكر على الأقل الرئيس المدير العام لأحد البنوك والرئيس المدير العام لمؤسسة متخصصة في الألبان فإن مرتبهم الشهري يفوق 1000 مرة الحد الأدنى للأجر وهناك في القائمة من أجره الشهري يساوي 500 مرة الأجر الادنى حيث وجدنا من يحصل على مرتب شهري يساوي 40 مليون دينار…

وهذا المعطى طرح سؤالا فلسفيا يتعلق بالتعرّف على الحد الذي يجعل الشعوب تقبل بهذا التفاوت وبالحد الذي يجعلها لا تقبل به وتثور عليه؟ وكيف نحقق الإدماج الاجتماعي في ظل واقع من عدم المساواة في الدخل وانعدام العدل في توزيع الثروة فقضية الادماج الاجتماعي مسالة مهمة في ديمومة الشعوب والأمم..

انحدار مستوى التعليم

من خلال مخرجات الدراسة وبناء على مؤشرات أبعاد التفاوت الاجتماعي يمكن أن نقف على حقيقة مهمة في فهم لماذا لدينا اليوم حالة من عدم المساواة هذه الحقيقة تقول أنه خلال السنوات الماضية عرف الإنفاق الحكومي على التعليم تراجعا كبيرا وانخفضت ميزانية التعليم فيما يخص الاستثمار في البنية التحتية من بناء مؤسسات جديدة وترميم القديم منها وهذا أدى الى انحدار ملحوظ في مستوى جودة التعليم وأنتج ظاهرة أخرى سمتها

“سلعنة التعليم ” وطغيان الجانب التجاري على الجانب المعرفي والتعليمي مع ظهور التعليم الخاص الذي يهدف إلى تحقيق الربح أكثر من البحث عن الارتقاء بجودة التعليم…

واستنتاج آخر وهو أن الإنفاق الأسري على التعليم قد تطور ليتخطى ويتجاوز مسألة اقتناء الأدوات المدرسية والدروس الخصوصية ليتحول من التدريس في القطاع العام إلى التدريس في المؤسسات الخاصة.. وهذا التحول في السلوك الأسري قد مثل صورة أخرى متخفية من سلعنة التعليم خلق فوارق اجتماعية هائلة تحملته الأسر والفئات السفلى الفقيرة والمتوسطة فعندما يختل المصعد الاجتماعي الذي كانت المدرسة تمثله بما يسمح لأبناء الدواخل من فرص مساوية للتعلم وحظوظا للارتقاء في سلم المعرفة نحو الحصول على وظيفة في القطاع الحكومي…

فعندما يختل هذا المصعد الاجتماعي الذي راهنت عليه الدولة في البداية نظرا لإهمال التركيز على المنظومة التربوية كما وكيفا ونوعا فإن التفاوت الاجتماعي يزداد ويتمدد ويصبح التفاوت حادا من نتائجه الخطيرة فقدان المجتمع لتماسكه ولحمته الضرورية…

وهذا ما يفسر كيف أن الاحتجاجات والتحركات قد ازدادت ليس في تونس فقط، بل في الكثير من دول العالم حيث بيّنت نتائج لسبر الآراء أجرتها مؤسسة سيغما كونساي أن 63 في المائة من العينة المستجوبة قد اعتبرت أن التفاوت الاجتماعي في تزايد وهو وضعية غير مقبولة تؤدي إلى ارتفاع منسوب الغضب والنقمة على الوضع العام في البلاد…

هناك مفارقة عجيبة توضح عدم المساواة التي عليها المجتمع في علاقة بولوج سوق الشغل وحسب المعهد الوطني للإحصاء هناك 20 نقطة فارق بين حاملي الشهائد العليا من الذكور والإناث للحصول على مكان عمل بالرغم من أن عدد الفتيات الحاملات لشهائد عليا هو أكثر من عدد الذكور، ومع ذلك فإن امكانية الولوج إلى سوق الشغل متوفرة أكثر للذكور من الإناث لأسباب ثقافية ومع الأسف فإن مجتمعنا لا يزال مجتمعا ذكوريا ويزداد هذا التمييز في المناطق الداخلية…

وهذا ما يجعل أن البطالة في صفوف الفتيات خريجات الجامعات تفوق بكثير بطالة الذكور من أصحاب الشهائد العليا وقد تصل إلى الضعف وهذا ما يفسر الحضور المكثف للفتيات في الاحتجاجات التي نراها في الجهات الداخلية، وهذا ما يفسر كذلك أزمة التشغيل في القطاع العام وكيف أن القطاع الموازي والاقتصاد غير المهيكل قد استوعب تقريبا حوالي 40 في المائة من العاطلين عن العمل الكثير منهم من أصحاب الشهائد العليا..

التعليم لم يعد المصعد الاجتماعي

وكل هذه المعطيات التي توضح التغير الحاصل في المجتمع التونسي تنتهي الى حقيقة وهي أن التعليم في تونس لم يعد هو المصعد الاجتماعي لتحسين وضع العائلة ووضع الفرد من خلال الولوج بسهولة إلى سوق الشغل عبر التعليم وهذا يؤدي بنا إلى استنتاج واضح وهو أن البلاد اليوم تعيش على وقع حالة من عدم المساواة عميقة مما جعلنا في الدراسة ننبه إلى خطورة الظاهرة التي تهدد التماسك الاجتماعي…

وقد خلصت الدراسة التي تناولت مخاطر انعدام المساواة والبحث عن حلول للنهوض بالفئات الفقيرة والجهات المحرومة إلى جملة من المقترحات نعرضها للنقاش والتفاعل بهدف الوصول الى امكانية الاتفاق على حد أدنى من الكسب ما يسمح بالعيش الكريم في حده الأدنى للكثير من الفئات الاجتماعية.

تم اقتراح الترفيع في الأجر الأدنى الذي يتحصل عليه العامل والموظف باعتباره أدنى أجر في المنطقة العربية وهو أجر لم يعد يسمح للمقدرة الشرائية للفئات المتوسطة التي عرفت تراجعات رهيبة في السنوات الأخيرة من توفير الحد الأدنى من الحاجيات الأساسية من المواد الغذائية، وهذا التراجع في المقدرة الشرائية قد قرّب الفئات الاجتماعية من بعضها البعض في الاتجاه السلبي لنجد أنفسنا أمام مجتمع متكون في غالبيته من طبقة ضعيفة ماديا يصعب معها التفريق بين من هو في مرتبة وسطى ومن هو في مرتبة فقيرة أو محتاجة..

وهذا يطرح على الحكومة اشكالية كبرى في كيفية معالجة ملف العائلات المعوزة في علاقة بمن يستحق تدخل الدولة ودعمها وفي هذا الخصوص فقد كان مقترحنا هو اعتماد الأجر الأساسي أو الأجر القاعدي الذي لا يجب النزول تحته والذي يمكن تحديده بقيمة ثلاثة أرباع الأجر الأدنى المضمون أي ما يقابل 430 د بنظام 48 ساعة في الأسبوع وهذا يحتاج إلى إلغاء الإعانات الاجتماعية التي تمنح للعائلات المعوزة والمقدرة بـ 180 د شهريا وتعويضها بالأجر الشامل والأساسي مع تخصيص ميزانية للاستجابة له.

القضاء على جيوب الفقر

والغاية التي نرجوها من هذه الدراسة هو القضاء على جيوب الفقر لمن هو تحت خط الفقر ومحدودي الدخل وتمكينهم من أجر أساسي يمكنكم من الخروج من هذه الوضعية غير أن الصعوبة التي تعترضنا هي صعوبة تمويل هذا الأجر الذي لا حل له إلا  في إقرار ضريبة على دخل الأثرياء سميناها  “ضريبة تضامنية ” من خلال خصم واقتطاع نسبة يتم الاتفاق عليها تؤخذ من أموال أصحاب الثروات توجه للطبقات الضعيفة والمعوزة.

وينهي الدكتور عزام محجوب مداخلته بالقول إن عدم المساواة في الفرص والحظوظ هو أخطر بكثير من غياب المساواة في الأجور وإن المسألة لا تعالج من الناحية القانونية فقط وإنما المحدد فيها بالأساس في الخيارات السياسية وفي السياسات المتبعة .. ما نقترحه هو تفكير جديد ومقاربات مختلفة تخرجنا من حالة العجز الاجتماعي ومن حالة المتاهة السياسية التي تعيد في كل مرة إنتاج نفس السياسات التي تديم حالة التهميش والفقر والخصاصة والسؤال اليوم هل مازال للدولة من دور تلعبه لمعالجة المسألة الاجتماعية ومن القدرة على مرافقة الفئات المعوزة واقتراح الحلول المتاحة للنهوض بها من أجل مجتمع متوازن وشعب مندمج في منظومة اقتصادية  تسمح بالولوج بسهولة إلى سوق الشغل وتسمح للفرد من الحصول على قدر ونصيب من الثروة الوطنية.

انعدام العدالة الاجتماعية

ما أردنا إثباته في هذه الدراسة هو أن التوترات الاجتماعية وظهور الحركات الاحتجاجية المطالبة بالعدالة والحق في التنمية يتم تغذيتها بالإبقاء على وضعية عدم المساواة الاجتماعية ومن خلال انعدام العدالة الاجتماعية بين الأفراد وبين الجهات وبين الأجناس وطالما لم نغير السياسات وطالما حافظنا على نفس الخيارات القديمة ولم نغير من منوال التنمية القديم الذي انتهت صلاحيته ولم يعد يفيد كثيرا فإننا نواصل في المحافظة على نفس الوضع القائم كما هو ونديم نفس العلاقات التاريخية ونعيد إنتاج نفس الحلول التي انتجت الفقر والتهميش والخروج على السلطة في حركات غضب ورفض ..

فالمعركة اليوم والصراع اليوم هو من أجل إقرار حد أدنى من المساواة الاجتماعية وهي معركة اتضحت معالمها والفاعلون فيها ..

هو صراع بين مجموعات مع السلطة وصراع بين من يريد الاستحواذ بمفرده على الثروة وبين من يريد أن يحصل على نصيب وحق فيها .  

المصدر : الصريح

Load More Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Check Also

طقس اليوم …امطار مع تساقط البرد

طقس اليوم …امطار مع تساقط البرد يشهد طقس اليوم امطارا رعدية صباحا بالشمال مع تساقط م…