Home أخبار نوفل سلامة يكتب/ حاتم بن سالم يتحدث: الأداء السياسي لقيس سعيد… تصوره للإصلاح الشامل من الجباية إلى التعليم…

نوفل سلامة يكتب/ حاتم بن سالم يتحدث: الأداء السياسي لقيس سعيد… تصوره للإصلاح الشامل من الجباية إلى التعليم…

0 second read
2
0

 

كتب: نوفل سلامة

في حوار مطول على أمواج إذاعة موزاييك ليوم الأحد 1 ماي الجاري تحدث حاتم بن سالم الدبلوماسي ووزير التربية ومدير معهد الدراسات الاستراتيجية بمؤسسة الرئاسة الأسبق في أمور كثيرة فيها شيء من السيرة الذاتية والشهادة على مراحل سياسية عاشها وعاصرها….

وقدّم الوزير السابق خلال الحوار الكثير من المواقف التي قد نتفق أو نختلف فيها معه بخصوص القضايا الراهنية الحارقة، غير أن الأمر الثابت والذي لا نختلف فيه ونعده من الأمور المهمة التي يجب أن ننصت إليها بانتباه كبير…وأن نخصص لها وقتا وجهدا للتفكير والتفاعل ما قاله من تصورات مستقبلية تحتاجها البلاد ومن رؤى استراتيجية تفرض الاحترام…

الدبلوماسية الهادئة

ومن هذه القضايا التي شدت إليها السامع حديثه عن الدبلوماسية التونسية التقليدية والتي عرفت بالاتزان وبرجاحة الرأي وعدم التسرع ولا التشنج في اتخاذ المواقف المتعلقة بالقضايا الخارجية، في علاقة بالأطراف الخارجية وخاصة الدول العظمى، والتي تتحكم في القرار العالمي وذلك بخصوص ما صدر مؤخرا عن الرئيس قيس سعيد من انتقاد للولايات المتحدة الأمريكية ومطالبتها بعدم التدخل في شؤوننا الداخلية…
وذلك على إثر التصريحات المباشرة التي صدرت من الخارجية الأمريكية والتي أبدت فيها انزعاجها من القرارات السياسية التي اتخذها قيس سعيد والتي رأت فيها خروجا عن المسار الديمقراطي وتراجعا عن الديمقراطية، بما يجعل الدولة التونسية في الوقت الحاضر غير مؤهلة للحصول على المساعدات المالية من المؤسسات المالية العالمية المانحة وفي مقدمتهم صندوق النقد الدولي…

وضع الأمس ووضع اليوم…

حيث اعتبر حاتم بن سالم أنه من حيث المبدأ فإن التدخل في شؤوننا الداخلية هو تصرف مرفوض، وكانت الدولة التونسية تعرب عنه بشدة لما كان قرارنا السياسي مدعوما شعبيا و مسنودا بالوضع الاجتماعي والاقتصادي المريح، أما اليوم فإن حالنا في أسوأ حالاته بعد أن وصلت ديوننا الخارجية إلى مستويات غير مسبوقة بما جعل قرارنا السيادي مرتهن عند الخارج وبما جعلنا نفتقد الكثير من قوتنا ومقدراتنا وامكانياتنا على التفاوض والتأثير…
اليوم وهذه هي حالنا فإنه من الخطأ معاداة الولايات المتحدة الأمريكية ومن يتحكم في القرار الدولي ومن يؤثر في هذه المؤسسات المالية المانحة فإذا كانت علاقتنا بهؤلاء سيئة فإنه من المؤكد أن نجد صعوبات كبرى مع الجهات المانحة…
وهنا يكمن الفرق بين التفكير الدبلوماسي الوازن والرصين وبين التفكير الدبلوماسي الفاقد للتخطيط و التخبط في قرارات مرتبكة و مرتجلة لا تقٍرأ ألف حساب لما تقوم به وهي في وضعية العجز والضعف والتكبيل..

حصيلة الثورة هزيلة

كما تحدث حاتم بن سالم عما تحتاجه تونس في هذا الظرف الصعب الذي تمر به بعد ثورة هزت القديم هزا عنيفا وبعد عشرية كاملة من قيام الثورة لم يكن منجزها ناجحا وإنما على العكس، فقد عرفت البلاد خلالها تراجعا كبيرا في جميع الميادين وخاصة في المجال الاقتصادي والاجتماعي وهو المطلب الرئيسي الذي قامت عليه الثورة من أجل ذلك فهو أرى أنه لا مخرج للبلاد من أزمتها ولا مفر حتى ترجع الثقة بين المواطن ودولته ولا مناص من تحقيق أهداف الثورة و تحقيق العدالة الاجتماعية من ثورة راديكالية في ميدان الجباية…
فما يطالب به اليوم هو إصلاح في منظومة الجباية الحالية التي تشرّع للفساد ولا تحقق العدل الجبائي الذي يطالب به المواطن يكون قادرا على تجاوز كل الاخلالات وكل النقائص الموجودة في التشريعات التي لا تنتج إلا ثقافة التهرّب الجبائي وثقافة ملاحقة المواطن والضغط عليه وثقافة إدانة الكل ووصف الجميع بالفساد جراء تحايل المواطن على الدولة وعدم اقتناع المواطن بما تفرضه عليه دولته…

إصلاح جبائي عميق

لذلك فهو يقترح إصلاحا جبائيا ضروريا يعتمد على تجميع التشريعات الجبائية في تشريع واحد والتخفف منها وجعلها أكثر وضوحا وشفافية، إصلاح يقوم على فكرة ” الضريبة الموحدة لكل قطاع من القطاعات الانتاجية »… وهكذا حينما نخصص ضريبة واحدة لكل مجال على حدة ونجعلها أداء يوميا يتم تنزيله بميزانية الدولة يقتطع من المداخيل اليومية للأنشطة الاقتصادية المختلفة من خلال تطبيقة معلوماتية واضحة ومخففة تغني عن المتابعة السنوية للضريبة وتقلل من منسوب الفساد في هذا الميدان، ويخفف من محاولات الرشوة والتلاعب بالتشريعات والتهرّب من الواجب الضريبي.
بخصوص إصلاح الديوانة التي يعتبرها حاتم بن سالم “معبد الرشوة” فإنه يقترح اتباع النهج الذي سلكته دولة سنغافورة التي لها حجم معاملات تجارية يفوق ما لتونس بخمس مرات غير أنها استطاعت أن تحارب الفساد في هذا القطاع، وذلك بإتباع استراتيجية تقوم على الإبقاء على عدد محدود من المسائل الديوانية يكون تابعا للدولة في حين يفوت في الباقي للخواص وبهذه الطريقة قللت سنغافورة من منسوب الفساد ومكنّت الدولة من غلق ملف الفساد في هذا القطاع.
ولم ينس حاتم بن سالم وهو يقدم تصوره لكيفية إصلاح المجتمع والدولة ومؤسساتها أن يتحدث عن ظاهرة “الكونترا ” التي تنخر جسم المجتمع وترهق الدولة وتفوت على ميزانيتها أموالا طائلة لا تستفيد منها جراء ما يحصل من تجارة خارج المسالك الرسمية وأنشطة تمارس خارج الأطر القانونية حيث اتضح أن التجارة الموازية تشكل اليوم حوالي 60 في المائة من النشاط التجاري ونظرا للخطورة التي يكتسيها النشاط الموازي والذي ينشط على هامش الدولة فإن حاتم بن سالم يشدد على ضرورة ادخال هذه التجارة في الاقتصاد الرسمي وإخضاعه إلى الضريبة وبالتوازي مع هذا الإجراء الضروري والذي لا مفر منه فانه يطالب ويدعو الدولة أن تحرر المجال وتمنح الفرص للشباب حتى يستطيع أن يلج إلى الأنشطة التجارية المختلفة، وأن تفك القيود التي ضربتها العائلات الاقتصادية المتحكمة في التجارة وهي عائلات اقتسمت فيما بينها الأنشطة الاقتصادية واتفقت فيما بينها على قيود واسيجة تمنع اليوم أي فرد من خارجها من أن يمارس نشاط من الأنشطة الاقتصادية التي تهيمن وتسيطر عليها… وهذا موضوع آخر حارق على الدولة أن تعالجه.
إن المطلوب هو إرجاع الثقة المهزوزة لدى الشباب وإعطائه الإمكانات حتى يؤمن بأن الحل لمشاكله يكون في بلاده لا خارجها من أجل تعزيز انتمائه لبلاده الذي بدأ يتراجع و إرجاع الثقة والأمل في الحصول على حقه من الثروة الوطنية.

الإصلاح التربوي

وفي المسألة التربوية وبخصوص مروره بوزارة التربية ومشروع الإصلاح الذي كان ينادي به قال حاتم بن سالم بشيء من الحسرة أنه فشل في مطمحه هذا ولم يوفق نتيجة تقطع مسيرته على رأس الوزارة وتعطيل كثير تعرض له الأمر الذي لم يسمح له بالقيام بما كان يخطط له من إصلاح للمدرسة التونسية التي يراها اليوم متعبة ومنهكة وغير قادرة على لعب الدور المنوط بها كرافعة النهضة والتقدم فهو من الاشخاص الذين يؤمنون بأن الدولة المتقدمة هي تلك التي لها تعليم مثمر متطور، وأن المجتمعات المتخلفة هي متخلفة بسبب تعليمها فهو يعتبر أن للبلاد من الإمكانيات ما يخول لها من تحقيق النجاح والتفوق ويتساءل هل قمنا بكل تلك التضحيات منذ الاستعمار وأثناء بناء الدولة الوطنية حتى نرى اليوم البلاد غارقة في مشكل تربوي كبير في علاقة بضعف المدرسة وتراجعها عن تحصيل العلم والمعرفة والتربية على القيم وتوفير المكتسبات اللازمة لإعداد جيل مواطني قادر على تحقيق نهضة حضارية.

تكوين المدرس

لإصلاح المدرسة يقترح حاتم بن سالم أن يبدأ بخيار ” تكوين المدرس ” وهو الجهة التي سوف تقوم عليه الاستراتيجية الإصلاحية وأن نسبّق تأهيل المربي وتكوينه باعتباره العمود الفقري الذي يقوم عليه إصلاح المدرسة وأن نمنحه الأولية قبل المداخل الأخرى للإصلاح فمن دون مدرس ومرب قادر على فهم واستيعاب العملية التربوية فإنه لا يمكن لأي اصلاح مهما كانت قيمته أن ينجح ويحقق الأهداف وهذا يعني أن حاتم بن سالم يميل إلى المقاربة التي تعتبر أن الاصلاح الشامل اليوم غير ممكن بما يعني أنه من غير المفيد أن ننطلق في الإصلاح من كل المداخل وإنما المفيد اليوم أن نسبق إصلاح المدرس قبل الاعتناء بالفضاء المدرسي من بنية تحتية وغيرها و قبل الخوض في المضامين الدراسية والمناهج والمقررات وقبل فتح ملف الزمن المدرسي والمقاربات المنهجية ..

عطب كبير

لا يمكن إصلاح التعليم ولدينا عطب كبير في الأساس الذي يقام عليه البناء ولا يمكن أن ينجح الاصلاح بمدرس غير مختص وفاقد للتكوين والحماس للتدريس وأغلبه قادم من اختصاصات أخرى وهو غير مؤهل للتدريس لذلك فإن الأولوية اليوم في عملية الاصلاح المرتقبة أن نبدأ بتكوين المعلم والمدرس وذلك من خلال مسار كامل يبدأ من الباكالوريا حيث يعلم الطالب أنه سوف يصبح بعد سنوات معلم للأجيال وهذا يتطلب وجود حوافز مالية هامة في التكوين وفي الحصول على الأجر .. لا يمكن إصلاح التعليم بميزانية تراجعت إلى النصف بين سنة 2010 حيث كانت تمثل 23 في المائة من مجموع الميزانية العامة للدولة إلى ميزانية في حدود 13 في المائة في سنة 2019 بما يعني حصول تراجع يساوي النصف عما كان مخصصا. لا يمكن إصلاح التعليم بميزانية في معظمها مخصص للأجور وخلاص مرتبات المعلمين والمدرسين والإطار المدرسي وبأجر للمدرس لا يليق به ويجعله دوما يلهث وراء الدروس الخصوصية لتغطية مصاريفه اليومية وهذا ينجر عنه بالطبع مشاكل في التحصيل العلمي والمعرفي وتراجع في مستوى التلميذ ..

ما أطالب به هو مسار جديد للمدرسة الأولوية فيه يكون لتقنين مساهمة العائلة في تعليم أبنائها من خلال تشريع واضح يحقق العدالة ويبقى على مبدأ مجانية التعليم و يحدد هذه المساهمة التي لن تكون إلا رمزية وفي حدود 4 أو 8 دنانير سنويا وبذلك نبعد الشبهة عن المدير الذي يتهم اليوم بجمعه لأموال من الأولياء لفائدة المدرسة .. والأولوية فيه لإعداد الطلبة مبكرا حتى يصبحوا مدرسين اكفاء بعد أن يختاروا هذا المسار ويخضعوا إلى تكوين متواصل يؤهلهم لهذه المهمة المركزية في نهضة تونس وتقدمها ويرافق هذا المسار جهد تبذله الدولة في تخصيص اعتمادات مهمة توضع على ذمة المدرسة لتحسين الأجور والعناية بالبنية التحتية المتهرئة .. والأولوية فيه لمراجعة البرامج التي لم تعد تواكب الواقع وهي اليوم خارج التاريخ وبعيدة عن اهتمامات التلاميذ والطلبة وما حقل من تغيرات في العالم .. ما هو مطلوب هو منوال جديد للتربية والتعليم يقود عملية الاصلاح بنجاح وينتهي إلى تحقيق التحصيل العلمي المطلوب وكسب المقدرات العلمية ويحقق الريادة بين الدول..

المستقبل يُبنى بالمؤسسات

وينهي حاتم بن سالم هذا الحوار بالحديث عن الوضع السياسي للبلاد بعد حدث 25 جويلية 2021 في ظل التدابير الاستثنائية وما انجر عنها من حصر كل الصلاحيات عند الرئيس قيس سعيد بالقول إن المستقبل لا يبنى إلا على أساس المؤسسات وأن الاشخاص ذاهبون في حين أن الدولة باقية وهي باقية بمؤسساتها لذلك فما يحصل اليوم من تعيينات يقوم بها رئيس الدولة بمفرده لا تمنح الشرعية لمؤسسات الدولة  ولا تجعل الناس يقبلون بها ويرضون عنها  وفيها تحميل للمسؤولية لمن قام بها وهي طريقة قديمة انتهى زمانها وولى عهدها وهي لا تتماشى مع ما حصل من تقدم وتطور في ثقافة التونسيين .. إن الذي يصلح للبلاد اليوم هو قرار سياسي يتخذ بالتشاور والتشارك والحوار .. قد يعتري مؤسسات الدولة  مع الوقت شيء من الضعف أو الخلل يتطلب مراجعة وإعادة نظر والقيام بالإصلاحات اللازمة لهذه المؤسسات أما أن نهدم كل البناء ونعيده من أساسه فهذا مكلف ويحتاج وقتا .. ما هو مطلوب هو إصلاح مرحلي ومن الداخل يتجاوز العطب بالحوار والمشاركة خاصة وأن التونسي لا يقبل بالحلول الجاهزة و المسقطة ..
ما يجب أن يفهمه الرئيس أن الحاكم مهما حكم فإن حكمه يكون لفترة وهذه الفترة مهما طالت فهي قصيرة في عمر الشعوب وبالتالي عليه أن يحقق النتائج وأن يجيب على أسئلة الناس الحارقة .. اليوم قد نحتاج إلى رجل قوي حتى يقوم بهذه الاصلاحات ونحتاج إلى فترة تطبق فيها الديكتاتورية ولكن ليست ديكتاتورية الزمن الراهن وإنما ديكتاتورية ” سينسيناتوس ” القنصل الروماني الذي طلب منه سنة 460 قبل الميلاد أن ينقذ روما من خطر المتمردين وأن يعين البلاد على التخلص من فتنة العوام فكان أن مارس سلطة الديكتاتور وهو منصب انشأه الرومان لحالات الطوارئ تعطى له سلطة مطلقة للقيام بمهمته ويكون في خدمة روما لمدة محددة لا تتجاوز 6 أشهر وبعد أن أنجز المهمة وخلص روما من الخطر الداهم الذي كان يهدد أمنها واستقرارها سلم الحكم  إلى مجلس الشيوخ وعاد الى مزرعته ليمارس مهنة الفلاحة في وقت كان لا شيء يمنعه من البقاء في الحكم…

المصدر : الصريح

Load More Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Check Also

اليوم: رياح قوية بعد الظهر قد تصل سرعتها إلى 90 كم في الساعة

اليوم: رياح قوية بعد الظهر قد تصل سرعتها إلى 90 كم في الساعة تتراوح درجات الحرارة اليوم ال…