من بين الظلام، أطلت الممثلة منال عبد القوي من فوق ركح مسرح الجهات بمدينة الثقافة، السبت 01 جويلية 2023، لتقديم العرض ما قبل الأول لمسرحيتها الجديدة والثانية “شروق مريم” من إنتاج مركز الفنون الدرامية والركحية بأريانة.
وتجسّد مونودراما “شروق مريم” عودة الممثلة منال عبد القوي إلى المسرح بعد وقت طويل من مسرحيتها الأولى “المخفوقة بنت بوها” التي تمّ إنتاجها سنة 2017 وكانت كوميدية 100%.
تتحدث مونودراما “شروق مريم” التي امتزجت بالدراما والكوميديا والنقد عن المرأة العربية التي رغم كل المكتسبات الحقوقية لكن بقي المسكوت عنه يكبلها ويأتي على حساب حريتها.
فكرة المسرحية حسب ما روته منال عبد القوي لموزاييك هي الاستيلاب، حيث اراد المجتمع استيلاب “شروق مريم” من اسمها وحبيبها وحريتها وقوتها لكنها كطائر الفينيق عادت من الرماد في مشهد دمرت فيه العقبات والماضي ورغبة المجتمع في قبرها وفرضت مبادئها ولم تستسلم للموت بل كفنت الماضي واشرقت من جديد ورقصت تحت الانغام كما يدل اسمها “شروق مريم”.
وتروي المسرحية كيف ترغم الفتاة حتى على اسمها الذي لا تريده في نقد لاذع لعقلية ذكورية سائدة في المجتمعات العربية فهي لم ترد الاسم الذي سماها به والدها الخشن “مريم “بل اعجبت بالاسم الذي اختارته لها امها الرقيقة “شروق”.
ورغم أنّ منال تقول بأن المسرحية لا تتحدث كثيرا عن منال عبد القوي الشخصية الواقعية إلاّ أنّ المشاهد والمتابع لحياتها يرى شبها كبيرا بين الشخصية والممثلة خاصة في تقاطع مسائل “الطلاق ورغبة الانجاب رغم عدم القدرة والإجهاض ورغبة الحياة رغم المصاعب الحياة “
وكما تمرّدت منال عبد القوي بحركاتها وصوتها المتقطع احيانا والصادح احيانا اخرى بالبكاء بالضحك بالسخط وغيرها تمرد معها كاتب النص السعودي فهد ردة الحارثي والذي يعتبر من أهم الكتاب العرب وعراب المسرح السعودي الذي قدم لمنال عبد القوي سنة 2022 النص وانطلقا في العمل عليه.
وقالت منال عبد القوي انها اردت نصا بالعربية الفصحى معتبرة أن العودة بنص بالفصحى في سنة 2023 يعتبر رهانا خاصة وأن المسرحية هي ومونودراما امتزجت فيها الكاتبة والانتاج والاخراج بالسعودي والتونسي.
وتعود منال بعد الانقطاع بتحد آخر ليس فقط شكل المسرحية وانّما توليها لتحربة الإخراج لأول مرة رغم انها ستكون هي الممثلة وعبرت منال صراحة أن تجربة الإخراج والتمثيل معا كانت صعبة قائلة “لكن لم تكن باختياري واتصلت بالعديد من المخرجين ولكن لم يكن هناك توافق”.
وتجسّد معلقة المسرحية وهي وجه الممثلة مطلي بالطين المشقق حرمان “شروق مريم ” من حبيبها حسن الذي لم تتزوجه واستيلابها اسمها وطلاقها و عدم توفقها في الانجاب لكن تلك الأوجاع جعلتها مشققة ولكن لم تكسر وتغلبت على الحياة والمعتقدات التي تقزم المرأة مقابل الرجل.
وكانت بداية المسرحية بعجن “شروق مريم” للطين ترافقه موسيقى قرع طبول تتبطأ حينا وتتسارع حينا آخر مع أنفاس متقطعة ولاهثة في إحالة إلى رمزية الخلق والبناء والأرض التي اتينا منها.
وكان ديكور المسرحية بسيطا لكن ملفتا اواني فخارية على جانب المسرح طاولة تتوسط الركح حيث عجنت منال الطين وصعدت فوقها ورقصت.
شروق مريم اسم مركب لشخصية مركبة في منتصف العمر عاشت الكثير وسلب منها الكثير لكنها لم تستسلم لرغبة المجتمع الذي اراد لها الموت بل نجت ودفنت الماضي الأليم وكل القرارات التي أسقطت عليها ورغما عنها من قبل مجتمع ذكوري يسلب المرأة حتى حق اختيار اسمها وزوجها.
وكما اظهرت منال عبد القوي قدرة بينة في الانتقال بين المشاهد الكوميدية والدرامية والتأرجح بين العربية الفصحى البسيطة والعامية، أظهرت زينب المرزوقي اتقانها في ادارة الاضاءة التي تبعت حركات الممثلة على الركح وسكناتها بالسطوع والخفوت، وأظهر فريق العمل نجاحه في اختيار الموسيقى والأغاني التي صاحبت العرض والتي لم تكن اعتباطية وانما عبرت عن حالة نفسية الممثلة في مشاهد معينة.
كما أظهر اللباس التي لبسته منال خلال العرض الانتماء الى المجتمع العربي ولم تتكلف الكثير عند الانتقال من مشهد الى اخر فمثلا عندما تحدث عن قصة حبها مع حسن توشحت بوشاح احمر بسيط لرمزية اللون وحملت باقة من الورد عند زواجها .
كانت المسرحية بسيطة ولكن قوية الأثر بانتقاد المرأة العربية التي تكبل نفسها بمجتمع لا يأبه بها وتقدم صورة خاطئة عن سعادة مزيفة في زمن الفيسبوك والانستغرام رغم معاناتها، تلك الصورة رفضتها “شروق مريم”، وطالبت بالطلاق لتعيش سعادتها التي لم تعشها مع زوجها هادي هادي الطباع والملامح قليل الحركة قليل الكلام كما قالت عنه والذي تزوجته مرغمة بعدما “فاتها التران”.
وعبرت منال عبد القوي عن سعادتها بعودتها الى ركح المسرح والعرض رغم الخوف ورهبة المسرح بسبب بعدها لمدة طويلة .
كما شددت عبد القوي على أنّ العروض تهاطلت من كل البلدان لبرمجة المسرحية في المهرجانات العربية والأجنبية بعد نزول المعلقة وعن المهرجانات التونسية معبرة عن استعدادها لقبول أي عرض معلنة ان العرض الأول للمسرحية سيكون مع بداية الخريف.
من جانبه، احتفى الجمهور الحاضر من فنانين وصحفيين بعودة منال عبد القوي معبرين عن استحسانهم للمسرحية التي ابكتهم واضحكتهم في عديد المرات في المقابل بكت منال عبد القوي عند انتهاء العرض وتصفيق الجمهور لها.
هيبة خميري
المصدر : موزاييك ف م
