Home أخبار محمد نجيب عبد الكافي يكتب لكم من مدريد: عجَب عُجاب!

محمد نجيب عبد الكافي يكتب لكم من مدريد: عجَب عُجاب!

0 second read
2
0

كتب: محمد نجيب عبد الكافي

إن أغرب ما يُدهشني وأحار في فهمه، هو أن الكثيرين منّا، ولعلهم أغلبنا، لا يعيرون الحريّة فهما ولا تصرّفا… يتخذونها خَلاصا من ربقِ ” أي قانون ” أو نظام، أو حق الآخر، فيتصرّفون، كما جاء في المثل الشعبي بهذه البلاد، التي شيد فيها أسلافنا حضارة بقيت وستبقى، أمثولة وقدوة طوال التاريخ، ” كأنه بدرو ببيته ” أي يتصرّف بلا خشية، ولا احتراز، ولا تقدير، ولا اعتبار لأي مفهوم يُعقل، ولا سبب يقبل….

استغلال وفوضى

ظروف وأمثلة كثيرة، يمكن الإدلاء بها ديلا على هذه الظاهرة التي يمكن وصفها أو نعتها بكثير النعوت، أقربها وأبسطها “استغلال وفوضى” سأركز على أهمها، في نظري المتواضع، لما تُحدثه من سمعة سيئة، وأخطار جسيمة، على الحرية المستغلة، ووحدة الشعب وتكتله، وضياع المبادئ السامية والحاجيات الملحّة..

ومن ثمَّ، التفرقة والتشتت، والاستغلال، والفساد، والنتيجة الخسران المبين. كدليل أو مثال عملي، سأسمح لنفسي، بعد الاعتذار، بذكر مثل من بلدنا تونس، لأنها أصغر بلد سعة وعددا إذ لا يزيد تعداد شعبها عن عشرة ملايين نسمة.
وها هي، بعد “الحصول على الحريّة” غير المفهومة حق الفهم، تكوّنت أحزاب بلغ عددها 244 حزبا حسب بيان حكومي في جوان 2020.  كل هذه الأحزاب، كدت أقول ‘العصابات’، في بلد مساحته 163.610 كم. مربع، وعدد سكانه 11.818.618 مواطنا. فازت منها، في آخر انتخابات، حرة شفافة حسب كل الملاحظين الوطنيين والأجانب، سبعة أحزاب، وشتات من أحزاب أخرى.
كيف كانت النتيجة العملية؟ تحوّلت قاعة البرلمان إلى مسرح ملاكمة أضحكت القاصي والداني. لو أردنا تعريف الحزب ببساطة واختصار، كما هو معروف اليوم، لقلنا: الحزب هو مجموعة أو كتلة من الأشخاص، يتّبعون أو يدافعون عن نفس الفكرة أو القضية، وهو يختلف عن الطائفة ولا هو ملّة.
هيكلته الداخلية وسيرها، من الواجب أن يكونا ديمقراطيين. يمكن أيضا تعريفه بالقول: الحزب السياسي هو تجمع مواطنين يتقاسمون نفس الأفكار، ويجتمعون ليضعوا حيّز التنفيذ، مشروعا سياسيا مشتركا، للوصول بوسائل ديمقراطية وسلمية، إلى ممارسة السلطات والمسؤوليات في قيادة الشؤون العمومية. أو‏ هو منظمة تنسق بين المرشحين للمنافسة في انتخابات بلد معين. يتبنى أعضاء الحزب غالبًا، أفكارًا متشابهة حول السياسة، ويمكن للأحزاب أن تروج لأهداف أيديولوجية أو سياسية محددة.  

أحزاب أم حوانيت؟

بعد هذا التعريفات، لو توقف المرء برهة ودخل بودقة الأحزاب في أكثر البلدان، خاصة بلداننا العربية وبلدان العالم الثالث مجتمعة، لما وجد من مكوّنات الأحزاب، حسب التعريفات السابقة، إلا الاسم والتكتل أو التجمع. لأنه سوف لا يجد فكرة أو مبدأ، ولا يجد برنامجا أيا كان نوعه وغاياته، سوى الوصول إلى السلطة والتمتع بامتيازات تحمي من كل أخطار تطبيق القانون في حال اختراقه، لأن النية والقصد الأولين هما خرق القانون، وإتيان كل ما من شأنه يتعرّض لشتى بنود القوانين الدينية والوضعية والأخلاقية.
ثم إنه كثيرا ما تزداد هذه المخالفات المبدئية، والقانونية، والأخلاقية، والمنطقية، بما له علاقة مباشرة بتمويل الأحزاب، شرعا ومنطقيا يجب أن يأتي التمويل من المؤسس أو المؤسسين، مشفوعا باشتراكات دورية، من لدن الذين ينتسبون وينضمون إلى الحزب لأنه، حسب أهدافه وغاياته، إن وجدت، يستجيب لرغباتهم وطموحاتهم.

موت الضمير

لكننا نجد، ويا للأسف، أن لا شيء مما سبق ذكره أوتي وتم كما سبق الوصف، بل – وهنا أصل الداء وأضراره – نجد التمويل آت من خارج البلاد، تمنحه سيادات خارجية، تريد التدخل في سيادة وسياسة بلاد الحزب الذي ” تتكرم ” عليه بالمال الغزير، وذلك، وهو المؤسف والمحزن، بموافقة وترحيب المسؤول أو المسؤولين عن الحزب الذي مدّ يديه لذلك التمويل، غير عابئ بالتعدّي على كلّ المفاهيم الأخلاقية، والدينية، والسياسية الحقة، والوطنية الصادقة الطاهرة، وعلى حقوق الشعب وجماهيره التي سيدعي أنه يدافع عنها وعن مصالحها.
كيف يمكن يا ترى نعت هذا التصرّف؟ كيف يُسمّى هذا السلوك الذي، إذا وقف مسؤول أو غير مسؤول ضده، علت الأصوات مندّدة، باكية، تتشكى ضياع الحرية والديمقراطية، والاعتداء عليهما وعلى “عُشاقها”. ثمّ تُكال النعوت الظالمة، فيصبح المعارض لذلك الحزب ومن كوّنه، دكتاتورا، جبارا، عدو الديمقراطية – ديمقراطيتهم طبعا – تلك التي ليس لها مما ينتظر منها سوى الاسم، وما هي في الواقع إلا “جواز سفر” تُجتاز به كل الحدود والحواجز القانونية المشروعة. لست من الذين يتساهلون في استعمال كلمة ” خيانة ” في مثل هذه الحالات، فأكتفي للإجابة عن السؤال المطروح بالقول: إنه ضلال وخروج عن الطريق السوي، لخدمة مصالح خاصة، وأخرى خارجية، وهذا لعمري هو موت الضمير.
هل يعني هذا تصديق ما قيل ويقال عنّا، وعن أشباهنا، أننا بلدان وشعوب غير مؤهلة للديمقراطية؟ المؤلم أيضا أن كثيرين من الناطقين بهذا الحكم يوعزون السبب في عدم الصلاحية والاستحقاق، إلى ديننا الحنيف، بجعله الحاجز المانع لأي تطور وتقدم.
لست في حاجة إلى الدفاع عن الدين، فمبادئه المعروفة وحدها، مثل الشورى، والجدال بالتي هي أحسن، وتجنب الفظاظة وغلظة القلب، والحوار بالكلمة الحسنة، وعدم الاعتداء، وتجنب الإسراف، تكفي وحدها لدحض تلك الادعاءات والهجومات.
أما البحث عن أسباب فشل الديمقراطية الحقة فهو في غير حاجة لأي جهد أو مشقة. فالعارفون حقا بما في شعب هذا البلد أو ذاك، من عناصر ذات كفاءة ومقتدرة، علميا ووطنيا، وإخلاصا، وسياسيا، يعلمون أن المسرح السياسي بالذات، قد أخلي بالديمقراطية المزعومة، من الصالحين المقتدرين المخلصين، فهُمِّشوا وأبعدوا، وعُمّر بالمرتزقة الدخلاء، بالجهلة الطامعين، الذين باعوا ضمائرهم، فاستعملوا الممنوع المحجور، حتى جلسوا حيث لا جدارة لهم بالجلوس، فتصرّفوا حسب المقولة الشهيرة: كل إناء بما فيه يرشح.

حملة تطهير شاملة

إن بلداننا في حاجة أكيدة إلى موجة وحملة تنظيفية تطهيرية شاملة، يقوم بها الوطنيون الصالحون، في مختلف الشرائح والأوساط والمجالات. ليكن كل فرد، كل مواطن ومواطنة، واعظا موجها، دالا إلى الخير. فالإمام في الجامع، والأستاذ في الكلية، والراوي في السهرة، وغيرهم كثيرون، مطالبون بترك الاستسلام جانبا، والثرثرة الخالية من أية غاية على حدة، والتركيز على ما يجب نحو الأوطان من عمل جدي نزيه، وتكتل وضم صفوف حول قِيَم نبيلة مفيدة، وتوحيد كلمة حول أهم ما البلدان في حاجة إليها ملحة.  قال تعالى {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} صدق الله العظيم. أليس هذا وقت العمل الذي طلبه منا الله؟ فلنعمل ونستجب، وإلا فنحن إذن لظالمون، وعن الاستجابة لأمر الله عاجزون.

المصدر : الصريح

Load More Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Check Also

نبيل عمار يؤكد الحرص على مزيد الارتقاء بالتعاون بين تونس والكامرون

نبيل عمار يؤكد الحرص على مزيد الارتقاء بالتعاون بين تونس والكامرون انطلقت، اليوم الجمعة با…