Home أخبار عيسى البكوش يكتب: المناضل محمد مواعدة (1938-2022)…كما عرفته

عيسى البكوش يكتب: المناضل محمد مواعدة (1938-2022)…كما عرفته

2 second read
2
0

كتب: عيسى البكوش

أن ينعت أحدنا بالمناضل فذلك ما يصبو إليه المرء بعد انقضاء عمره في هذه الدنيا وهي كما نبّهنا أحمد شوقي ‘لا تُدرك بالتمنّي ولكن تؤخذ الدنيا غلابا’…

ولقد جاء في برقية للزعيم الحبيب بورقيبة توجّه بها إلى المؤتمرين عند بعث اتحاد الطلبة في باريس يوم 9 جويلية 1953 وهو في منفاه بجزيرة جالطة :”إنّ النضال وحده هو الذي يعطي معنى للحياة”.

هذا الكلام أصوغه بمناسبة توديعنا للرفيق محمد مواعدة الذي وافاه الأجل المحتوم يوم الاثنين الفارط بمنزله بأريانة العليا، سي محمد يكبرني سنّا ونضالا فلقد سبقني في تحمّل مسؤولية الطلبة التونسيين على إثر انتخابه أمينا عاما مساعدا في المؤتمر الثاني عشر المنعقد بالمنستير عام 1964.

الانطلاقة

ولقد سبقني في تحمّل أمانة مدينة نفطة أو مثلما يحلو لأحبّائها ” الكوفة الصغرى” وهي التي أنجبت فيما أنجبت آل خريّف وآل المواعيد وآل الزرڨوني وعددا آخر من أعلام الفكر والفقه والأدب والفنون، ومن بينهم الشاعر الملهم صاحب ” قرط أمّي” الصديق الراحل الميداني بن صالح الذي اختار أيضا مدينتنا لإقامته حتى آخر نفس… وإلى الناقد الحركي عبد الكريم قابوس مرورا بالقطب الخضر حسين (1873-1958) التونسي الوحيد الذي تولى رئاسة جامعة الأزهر في مصر والذي أتحفنا الفقيد محمد بأطروحة نادرة حول مآثره ” محمد الخضر حسين حياته وآثاره” نشر الدار التونسية للنشر 1974 ونال من أجل ذلك درجة أكاديمية مكّنته من التدريس بالجامعة التونسية، إلى الفقيد والصحافي والمناضل الهاشمي الطرودي (1944-2015) طيّب الله ثراه.  

حركة الديمقراطيين الاشتراكيين

لقد نشأ محمّد مواعدة وترعرع في رحاب الحزب الدستوري وتحمّل صلبه عديد المسؤوليات إن جهويّا أو وطنيّا ولكنه لمّا شعر مثل غيره من انتفاء النفس الديمقراطي ولّى وجهه تلقاء تنظيم آخر كان له الشرف في تأسيسه وهو حركة الديمقراطيين الاشتراكيين التي اعتبرها البعض رافدا من النهر العتيق الذي خيّر بعضنا المكوث على جنباته.
هل كان يدرك سي محمد وهو العارف بفنّ السياسة وتفنّن السياسيّين أنّ الديمقراطية إنّما هي ثقافة أو لا تكون وهو المطّلع على مدوّنة مفكرنا الجليل هشام جعيط (1935-2021) ومقولته الشهيرة حول ” جينات الإنسان العربي”.
وعلى كلّ فلقد انخرط فقيدنا بكلّ ما أوتي من جأش في هذا الحراك الذي كلّفه ما كلّفه من محن وتطوّرات مضنية، ولقد انفضّ البعض من رفاقه من حوله وحتّى المؤسّس ألقى المنديل إذ أنّ الأستاذ أحمد المستيري (1925-2021) دوّن في كتاب ” شهادة للتاريخ” الصادر عن دار الجنوب بتاريخ أكتوبر 2011 في صفحة 318: ” في آخر فيفري 1992 وضعت حدّا لانتمائي للحزب ….أمّا اختيار الوقت فيرجع أساسا إلى صدور حديث لمحمد مواعدة رئيس حركة الديمقراطيين الاشتراكيين في جريدة لابريس رأيت فيه تحوّلا في موقف الحركة من التيّار الإسلامي ولم يستشرني في الموضوع وموقفي من التيّار الإسلامي معروف…”.

علاقة مواعدة ببن علي

ثمّ بعد بورقيبة والمستيري جاء بن علي ليقيم مع الفقيد علاقات تتأرجح بين الودّ والصدّ إلى حدّ أن سي محمّد قضى نصيبا من العمر في إحدى الزنزانات، وقد دوّن ذلك في كتاب أتى فيه على سيرته ثمّ سارع المعفى عنه من طرف سجّانه الذي ارتحل ذات 14 جانفي 2011 إلى إثراء المدوّنة السياسية الوطنية والكونية بكتاب مدوّي حول صناعة الدكتاتور ” إنّ الدكتاتور لا يولد دكتاتورا بل نحن الذي نجعل منه دكتاتورا” وقد أهدانيه أثناء إحدى زياراته المتعددة في مكتبي خلال السنوات الأخيرة قبل أن يُقعده المرض.
وكنّا كثيرا ما نتبادل في حديثنا محطات مضيئة وغير مضيئة من تاريخ بلدنا وقد عشناها سويّا على امتداد خمسين عاما جماعة أو أفرادا، كما أنّه كانت تجمعنا كلمة سواء وهي كيف السبيل إلى تحقيق مصالحة بين القطب المالكي أبو علي السنّي والقطب الإباضي عبد السلام الدرجيني وهو مشروع تحمّس له بمعيّة المرجع الإباضي الدكتور فرحات الجعبيري.
وقد ترأّس سي محمّد جمعية للغرض قدّم لي في إحدى اللقاءات نظيرا من قانونها الأساسي.
لعلّ هذا المشروع يكون بمثابة الوصيّة المحمول على أبناء نفطة السعي إلى إنفاذها على غرار ما تحقّق بالنسبة لتوصيات مئوية مصطفى خريّف التي عهدت الدولة للأستاذ الجامعي المتميّز محمد مواعدة مهمّة الإشراف عليها.
رحم الله فقيد الوطن المناضل محمّد مواعدة وأسكنه فراديس الجنان ورزق أهله وذويه جميل الصبر والسلوان.      
  و” إنّا لله وإنّا إليه راجعون”.

المصدر : الصريح

Load More Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Check Also

دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا

دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا فازت اليوم الخميس 25 أفري…