Home أخبار ضريح لكلبة مقدّسة عمره قرابة 9 قرون… ما حكاية ‘سلوقْيّة سيدي حرّاث’؟

ضريح لكلبة مقدّسة عمره قرابة 9 قرون… ما حكاية ‘سلوقْيّة سيدي حرّاث’؟

0 second read
2
0

على مرمى حجر من جبل سمّامة، وغير بعيد عن جبل الشّعانبي، يظهر مقام “سيدي حرّاث” الّذي حملت المنطقة اسمه، بارزاً لزوّاره أيّام الخميس والجمعة، بعد أن اعتادوا على القدوم نحوه، تبرّكاً أو تعبّداً أو اكتشافاً، منذ قرون مضت. وعلى بعد خطوة واحدة من ضريح قد يشبه أضرحة أخرى في الألوان والمكوّنات، في ولايات عديدة في تونس، يوجد صحن حجريّ يرمز لكلبة تدعى “سلوقْية سيدي حرّاث” (والسلوقْي هو كلب الصّيد). ومن لا يعرف تفاصيل السرديّة الشعبيّة لهذا المقام، من المارّين من مقبرة سيدي حرّاث، يخال لوهلة أن ذلك الضّريح(1 متر/ 0.75 متر تقريباً)، الحامل للون أخضر مخاتل حاضر بشدّة داخل المسجد المجاور له، وللون اسمنت فضّي شُيّد به منذ قرون، يخال أنّه قبر طفل مات قبل نضجه، فلم يحمل اسماً فوق مرقده، ولا تاريخ ميلاد أو منجز أو شهادة وفاة… 

بخطوات متسارعة كأنّها عدّاد التّاريخ، وبملامح لم تحفر فيها تراكم تجارب الحياة ولهيب صيف حارق إلاّ تشبّثاً بماض قديم، يتوجّه بوصريّة حرّاثي(72 سنة، رجل تعليم ومعتمد أسبق مهتمّ بتاريخ الجهة)، نحو مقام “السّلوقْيّة”، قبل دخوله  زاوية “سيدي حرّاث”، في عمليّة دأب على تكرارها منذ عشرات السّنوات. 

يشرح الحرّاثي، ولقبه العائلي مشتقّ من اسم جدّه الأكبر “حرّاث” صاحب الزّاوية الّتي أقيمت منذ أكثر من 8 قرون لتعليم القرآن وأصول الدّين، يشرح أهميّة ضريح الكلبة الواقع بجوار مقام الوليّ، فبفضلها دخل “سيدي حرّاث” التّاريخ، بعد كلمات لامرأة كان يُنوى اعتراض قافلتها، كلمات بمثابة شعر فصيح حرّك داخل وجدان المعترضين عبرة زوال التّاريخ وبقاء الأثر الأخلاقيّ والإنسانيّ، وخلوده.

فوفق روايات شفاهيّة يتردّد صداها في منطقة “سيدي حرّاث”، وما جاورها في ولاية القصرين، اعترض طريق حرّاث، منذ 9 قرون كلبة، تشرف على النّفوق رفقة جِرائها السّبعة، بعد عزوفه وأصحابه عن اعتراض القوافل بسبب ما سمعوه من شعر،  ليعود إلى منزله، ويخبر والدته بحلول ثمانية ضيوف عليه، وليقدّم للكلبة والجِراء ما كانت والدته تقدّمه لعائلتها، لأيّام عديدة، إلى أنّ نجت الحيوانات من جوع كان يتربّص بها، ومن هلاك حتميّ كان يحيط بها بين شعاب جبلي سمّامة والشّعانبي.

وتوضّح حافظة الزّاوية مريم عروسي(46 سنة)، وفق ما سمعته عن من سبقها في العيش داخل منطقة سيدي حرّاث”، لقد كانت قصّة “السّلوقْيّة” محرّكَ فعل الخير ومكارم الأخلاق الذي غيّر حياة جدّها حرّاث نحو الصّلاح والرّحمة.

يقول بوصريّة وهو يتجوّل بتأنّي الباحث عن حقيقة ما بين أركان الزّاوية، إنّ تقديس الكلبة الّتي رافق اسمها اسم حرّاث، لتدخل التّاريخ مثله، في روايات شفوية توارثتها أجيال كثيرة، في منطقة سيدي حرّاث، ليس إلاّ عبرة تُدرّس للرّفق بالحيوان، خصوصاً مع ما نراه اليوم من قنص وتسميم ممنهج لما يسمّى “كلاب سائبة”.

فمنذ زمن حرّاث الجدّ إلى اليوم، لا يزال زوّار الزّاوية يذبحون من ينوونه صدقة فوق مقام “السّلوقيّة”، وكأنّ قصّتها الأقرب إلى سرديّة شعبيّة، أثر مقدّس خالد يأبى  النّسيان.

بدوره يشير الباحث في التّاريخ الاجتماعيّ والقبليّ محمد صلاح حقي، في تصريحه لموزاييك، إلى أنّ هذه الرّواية الّتي تتردّد وتتوارث، جيلاً بعد جيل، هي رواية شعبيّة تقترب للأساطير، مثل روايات كثيرة أخرى ذُكرت عن المقامات دون أن يوجد أثر علميّ أو كتابيّ يؤكّدها أو يفنّدها.

منذ أكثر من 849 سنة، وفق ما ورد على باب يحيلنا  نحو زاوية “سيدي حرّاث”، قام السّابقون، وقبل حضارات  متطوّرة عديدة، بتثمين دور الحيوان، وبأهميّة العناية به، استناداً إلى مرجع دينيّ أخلاقيّ بامتياز، وبعد حوالي تسعة قرون بقي مقام “السّلوقْيّة المقدّسة” موجوداً فوق أرض مقبرة منطقة سيدي حرّاث وتحت سماء الجبال العصيّة، لكن رصاص الشّرطة البلديّة أو حجر العابثين وسمّ المُسمّمين قد ينهي حكايات حيوانات كثيرة، حتّى وقت قراءة هذه الأسطر، فبعض تلك الكائنات لم تر من الإنسان إلا تصرّفات الدّون الهالك…

برهان اليحياوي.

المصدر : موزاييك ف م

Load More Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Check Also

ما سبب تضاعف عدد الإصابات ''بالحصبة'' عالميًا؟

ما سبب تضاعف عدد الإصابات ”بالحصبة” عالميًا؟ تضاعف عدد حالات الحصبة في جميع أن…