Home أخبار سالم لبيض يكتب لـ”الصباح نيوز” : الغالب والمغلوب بين مشروع بلعيد ودستور سعيّد الجديد

سالم لبيض يكتب لـ”الصباح نيوز” : الغالب والمغلوب بين مشروع بلعيد ودستور سعيّد الجديد

4 second read
2
0

بقطع النظر عن جودة نص دار الضيافة قانونيا من عدمها، فإن بكائية بلعيد وتلميذه لن تنزع عنهما دور “الكومبارس السياسي” الذي لعباه، ولن يدخلهما التاريخ من أبوابه الكبيرة، بعد قبولهما القيام بوظيفة “كاتب السلطان”، الأمر الذي رفضه غيرهما من عمداء دور القانون الأحرار المنتخبين.

الدساتير هي خلاصة توافق مجتمعي واسع النطاق يترجم امتزاج الثقافة الشعبية بنظيرتها النخبوية العالمة، لا ينفع فيها أسلوب الإغارة (الغورة)  والسّطو، وإلا قصُر عمرها وذهبت ريحها وماتت في مهدها، وليست وليدة “نزوة” فردية مهما علت عبقرية صاحبها، ودور رجال القانون فيها هو المساعدة على الصياغة القانونية وتأمين الجوانب الإجرائية. اعتقد “بلعيد” أن حلمه سيتحقق بأن يكون أبا لأحد دساتير تونس بمجرّد القبول بعقد حوار صوري مع أطراف لا جامع بينها سوى التظاهر بالولاء للرئيس، جلّها إلا ما ندر، لا تمثيلية له، فدنّس رمزية الحوار بدار الضيافة، وأفقد نفسه الدرجات الدنيا من المصداقية والإجماع.

“بلعيد” وتلميذه يعلمان أن سجلات التاريخ السياسي التونسي المعاصر حافلة بدور قصر قرطاج في تزوير الإرادة الشعبية ووضع الدساتير والقوانين على مقاس الحاكم الرئيس لسنوات طوال 1956 -2011، حتّى استحالت أعرافا يجري بها العمل ويقبل بها المحكوم عنوة، ترجمتها العملية الرئاسة مدى الحياة وتوريث الحكم.  فكيف لبلعيد الذي قضّى ردحا من عمره يدرّس الدولة وتاريخ الأفكار السياسة في تونس أن لا يدرك أن قصر قرطاج لا يستطيع التوبة عن إفساد الحياة السياسية التونسية، وقتل السياسة، والتعدد، والتداول السلمي على السلطة، وصناعة “الأنا- الدولة -الرئيس -الزعيم “شبه الإله”؟، المركّب السريالي والدراماتيكي في نفس الوقت، حتى وإن كان ساكنه الرئيس “النظيف” مدرّس القانون معلّم الطلبة ومدرّبهم على احترام التشريعات وتطبيقها والالتزام بها قبل غيرهم، فالنفس أمّارة بالسوء والسلطة مسكونة بالإغواء.

من يريد أن يعرف كيف تحوّل ساكن قصر قرطاج  على مرّ الأزمنة إلى “شبه إله سياسي” عليه الإطلاع على الإرث الحقوقي التونسي، وعلى كتاب المحاكمات السياسة في تونس بجزأيه، وعلى آلاف  الوثائق المحفوظة بالأرشيف الوطني التونسي حول تلك المحاكمات الموضوعة على ذمة عموم القرّاء والباحثين، وعلى رسالة أحمد التليلي إلى بورقيبة سنة 1966 وكتاب محمد مزالي “نصيبي من الحقيقة وزير أول في رئاسة بورقيبة يشهد” وعمل الهادي التيمومي واضع مصطلح جمهورية الخوف “خدعة الاستبداد الناعم في تونس 23 سنة من حكم بن علي”، وغير ذلك مما تعجّ به المكتبة السياسية التونسية والأجنبية.

في نهاية الأمر انتصر نص قرطاج أو دستور “الزمام الأحمر” الذي أشارت إليه توطئة دستور 25 جويلية 2022، على دستور بلعيد ودار الضيافة، فالاجتماعات الصورية لا تنتج دساتيرا. لم تشر كتابات المؤرخين التونسيين المختصين في العصر العثماني الأول والثاني  1574-1705 – 1881 من أمثال عبد الجليل التميمي، ومحمد الهادي الشريف، وتوفيق البشروش وخاصة كتابه “جمهورية الدايات في تونس

  1591-1675″ إلى وجود نص إصلاحي “دستوري” على غرار نص ودستور عهد الأمان 1855-1861، يسمى “الميزان” او “الزمام الأحمر” الذي ذكره الرئيس سعيّد في توطئة مشروع الدستور المنشور بالرائد الرسمي يوم 30 جوان 2022، ولم يشر إلى فكرة واحدة من محتوياته. وفي المقابل، ذكر الحبيب بولعراس في كتابه “تاريخ تونس” أنه “في 1702 ابتدع ابراهيم الشريف الجمع بين الألقاب، وبذلك تسمّى بعض بايات الحسينيين، حتى القرن العشرين، باشا باي داي للإشعار بأنهم يمسكون بالسّلط كلّها”، وبذلك لخّص لنا واختزل الحقيقة الوحيدة العارية في دستور الجمهورية الجديدة وهي تكديس السلطات في يدي الرئيس الحاكم وتحصينه من المراقبة والمساءلة والمحاسبة والعزل حتى إذا ارتكب من الجرائم ما يستوجب ذلك، وفي الآن نفسه إخضاع بقية السلطات (الوظائف) لتلك الإجراءات.

ليت الرئيس سعيّد يغالب النفس ويقف مليّا عند المقولة التاريخية “لو دامت لغيرك لما وصلت إليك”، ويأخذ العبرة من وقائع التاريخ، فكل من مرّ بقصر قرطاج واستفرد بالسلطات جميعا واحتكرها لنفسه وخاصته، ووضع النصوص

المؤسسة والقوانين على مقاسه وتثبيت سلطانه، حتّى وإن كان زعيما لا يشقّ له غبار، خرج من أبوابه الخلفية منبوذا مدحورا ولم ينفعه طبل المطبّلين وتهليل المهللين ونظم الشعراء والحكّائين ونفاق الحاشية المقرّبين وذوي المصالح المنتفعين ولم ينجّه سحر السحرة والمنجّمين ومن عاصرهم من أصحاب الرؤيا والمفسّرين

(رأي حر)
د. سالم لبيض

المصدر : الصباح نيوز

Load More Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Check Also

وزارة التجارة: تواصل المنحى التنازلي لأسعار الخضر والغلال

وزارة التجارة: تواصل المنحى التنازلي لأسعار الخضر والغلال ينتظر أن يتّسم المشهد العام للتز…