Home أخبار المدير عام للأرشيف الوطني الهادي جلاب لـ”الصباح”: قريبا نطلق بوابة جديدة تسمح بالإطلاع على قاعدة بيانات الأرشيف وأكثر من عشرة آلاف كتاب

المدير عام للأرشيف الوطني الهادي جلاب لـ”الصباح”: قريبا نطلق بوابة جديدة تسمح بالإطلاع على قاعدة بيانات الأرشيف وأكثر من عشرة آلاف كتاب

6 second read
2
0

-لا يمكن الإطلاع على ملف الباجي قائد السبسي إلا بعد 2027

 

ـ تقدمنا كثيرا في مشروع الرقمنة ونتطلع إلى أرشفة مواقع الواب

ـ تسلمنا أرصدة هامة من الوثائق الخاصة بمناضلين ومثقفين وأحزاب سياسية وجمعيات

ـ ما قيل من كلام حول اتلاف وثائق إدارية بعد 25 جويلية كان لمجرد الشوشرة وإلهاء الرأي العام

ـ لهذا السبب غير بورقيبة خطابه ولم يتحدث فيه عن علي بن غذاهم

ـ  أرشيف”الكنام” المركزي ليس في المبنى الذي تعرض مؤخرا إلى حريق

تونس-الصباح

قال الهادي جلاب المدير العام للأرشيف الوطني إن المؤسسة ستطلق خلال الأيام القليلة القادمة بوابة جديدة تسمح لمستخدمي شبكة الانترنيت بالإطلاع على قاعدة البيانات التي تهم الأرشيف وعلى أكثر من عشرة آلاف كتاب في اختصاصات التاريخ والعلوم الإنسانية وعلم الأرشيف، إلى جانب تأمين دورات تعليم الكتروني عن بعد.

 وأضاف في حوار لـ “الصباح” أنه تم قطع شوط كبير في تنفيذ مشروع الرقمنة،وتم تركيز قاعدة معلومات حول الأرشيف الرقمي للثورة التونسية وهي تتضمن قرابة ألف صورة وألف فيديو تم العثور عليها لدى مواطنين بسيدي بوزيد وتالة ومنزل بوزيان وغيرها،مثلما تم تجميع الأرشيفات المهددة التابعة للهياكل العمومية التي تم حلها وهي مجلس المستشارين والمجلس الاقتصادي والاجتماعي ووزارة الاتصال والتجمع ووكالة الاتصال الخارجي ودار العمل وأرشيفات الهيئات واللجان التي تكونت سنة 2011 وأنهت أعمالها وهي:”الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة” و”لجنة التحقيق في التجاوزات خلال أحداث الثورة” و”لجنة التحقيق في الفساد” و”اللجنة العليا المستقلة للانتخابات”، إلى جانب جرد أرشيف رئاسة الجمهورية وإعادة تنظيمه، وجرد أرشيف المجلس الدستوري، فضلا عن حفظ أرصدة الأرشيف التابعة للدولة والجماعات العمومية المحلية والهيئات الخاصة المكلفة بتسيير مرفق عمومي والمأمورين العموميين، وجمع أرصدة من الأرشيف المتعلق بتاريخ تونس والموجود بالخارجوتمكين العموم من الإطلاع عليهوتسجيل الرصيد الوثائقي لإلغاء العبودية في سجل ذاكرة العالم في اليونسكو.

وتحدث جلاب، أستاذ التعليم العالي والمؤرخ المحرز على شهادة الدكتوراه في التاريخ المعاصر والمتحصل على التأهيل الجامعي والرئيس السابق ونائب الرئيس الحالي للجمعية العالمية للأرشيفات الفرنكوفونية بحب كبير عن أرصدة الأرشيف الخاصة وقال إنه يدرك جيدا أن تلك الأرصدة هي عبارة عن قطعة من روح أصحابها الذين خيروا إيداعها بمؤسسة الأرشيف الوطني عن تركها في بيوتهم، ولهذا السبب فهو يوليها عناية خاصة.

وأحجم جلاب عن الخوص في مسائل سياسية وقال إنه منذ التحاقه بمؤسسة الأرشيف الوطني سنة 1999، ومنذ توليه الإشراف على هذه المؤسسة بطلب من الكاتب العام للحكومة محمد الصالح بن عيسى سنة 2011 حرص كل الحرص على النأي بالمؤسسة عن التجاذبات السياسية وإبقائها على الحياد بما من شأنه أن يعزز ثقة المواطنين فيها.

وفي المقابل أجاب محدثنا عن أسئلة عديدة خاصة تلك المتعلقة بحصيلة مشروع الرقمنة الذي كان وفق تعبيره هاجسه الأكبر،وفي ما يلي نص الحوار:

إعداد : سعيدة بوهلال

يوم عالمي للأرشيف

تحيي تونس كسائر بلدان العالم يوم 9 جوان اليوم العالمي للأرشيف، وبهذه المناسبة تستعد مؤسسة الأرشيف الوطني إلى إطلاق بوابة جديدة تتيح لمستعملي الانترنيت الإطلاع على قاعدة بيانات الأرشيف الوطني، وندرك جيدا أن الباحثين والجامعيين والمثقفين والطلبة وغيرهم كثيرا ما طالبوا برقمنة الأرشيف ونعلم أن مشروعكم في المؤسسة ركز على الرقمنة فأين وصلتم في تنفيذ هذا المشروع؟

ـ لقد تم الانطلاق في التجربة منذ سنوات عديدة وكانت البداية في شكل ورشة ميكروفيلم لأنه لم تكن هناك وقتها تكنولوجيات رقمية وتم بالخصوص الاشتغال على السلسلة التاريخية وهي سلسلة تضم كل الوثائق السابقة لعهد الحماية أي قبل سنة 1881، وإثر ذلك وعندما توفرت التقنيات الرقمية في العشرية الماضية انخرطت المؤسسة منذ اضطلاعي بمسؤولية الإشراف عليها سنة 2011 في الرقمنة وتم نقل السلسلة التاريخية من بنية الميكروفيلم إلى البنية الرقمية، وفي إطار هذه السلسلة تمت رقمنة نصف مليون وثيقة أو لقطة، وتم المرور إلى السلاسل الأخرى وأولها الرصيد الوثائقي خلال فترة الحماية الفرنسية وخاصة السلسلة (أ) التي تتعلق بالإدارة الجهوية والمحلية من قياد وشيوخ ومراقبين مدنيين وتمت رقمنة 160 ألف وثيقة.

أما بالنسبة إلى السلسة التي تهم الإدارة المركزية في وقت الحماية فتمت رقمنة ما يقارب 61 ألف وثيقة أو لقطة، في حين تمت رقمنة مائة ألف صفحة من وثائق دفاتر عدول الإشهاد التونسيين المسلمين واليهود، وبالنسبة إلى الوثائق الخاصة بعدول الإشهاد اليهود فهي مكتوبة بعبرية المعلقة.

وماذا عن الأرشيفات الخاصة التي تحصلت عليها مؤسستكم فهل ينسحب عليها مشروع الرقمنة؟

-بالفعل لم تتوقف عملية الرقمنة عند الوثائق التي أسلفت الحديث عنها فقد تمت رقمنة أجزاء هامة من الأرشيف الخاص الذي تحصلت عليه مؤسستنا، ومنه على سبيل الذكر لا الحصر أرشيفات أبو القاسم محمد كرو رجل الفكر والثقافة وحسن القلاتي المناضل الاشتراكي الذي تدرب على يديه العديد من المحامين مثل الهادي نويرة، وأرشيف المناضل سليمان بن سليمان. كما سلمنا فاروق بن ميلاد جزءا من وثائق الشيخ عبد العزيز الثعالبي ووثائق والده أحمد بن ميلاد الذي كان صديقا للثعالبي، وسلمنا نجل المناضل والنقابي نوري بودالي أرشيف والده، كما تسلمت المؤسسة أرشيفات كل من مختار حشيشة الممثل والروائي والإذاعي والحبيب بولعراس السياسي والمثقف والكاتب، والطيب البكوش الحقوقي والمثقف، والمناضل والد جنيدي عبد الجواد والحبيب قرفال مؤسس المنظمة التونسية للتربية والأسرة والذي لعب دورا كبيرا في فترة الاستقلال وكان خلال فترة الخلاف اليوسفي-البورقيبي في الشق البورقيبي ضد بن يوسف وكانت زوجته ناشطة في الاتحاد النسائي وتوفيت في حادث مرور عندما كانت متجهة للمشاركة في أحد أنشطة الاتحاد، كما أنه هو من أسس منظمة الدفاع عن المستهلك وأراد فرض إجراء تحاليل مخبرية على عينات عشوائية من المواد الاستهلاكية ونشر نتائج تلك التحاليل مثلما هو معمول به في فرنسا لكن مقترحه جوبه بصد كبير من المصنعين.. وتسلم الأرشيف الوطني أرشيفات المنجي بن يعيش والبخاري بوصلاح وهو يساري ينتمي إلى شركة فسفاط قفصة.

ومن المشاهد التي لن تمحي من الذاكرة يوم زيارتنا منزل الممثل الراحل جميل الجودي بالمروج،فقبل وفاته اتصل بنا الجودي وعبر عن رغبته الكبيرة في إيداع كل أرشيفه لدى مؤسستنا وقال إنه ليس لديه أبناء يرثونه ويرغب في تسليم أغلى ما لديه للأرشيف وتلبية لطلبه تحولنا إلى منزله وسلمنا يومها كما هائلا من الوثائق والصور والمعدات ولما هممنا بالخروج لاحظنا أن بيت الرجل أصبح فارغا “سقف وقاعة” لذلك عندما توفي حرص الأرشيف على إحياء أربعينيته وحضر هذه المناسبة العديد من الممثلين مثل منى نور الدين وكوثر الباردي وفتحي الهداوي.

أما الشخصية الثانية التي سلمتنا جميع أرشيفاتها فهو المنصف شرف الدين الذي توفي مؤخرا وهو رجل مثقف ويتمتع بذاكرة جيدة وكلامه ممتع. كما لا يمكن أن ننسى الأرشيفات الخاصة بجورج عدة وقلاديس عدة وجوليات بسيس وزوجها ألدو بسيس وأحمد العثماني وزوجته سيمون للوش ونورة البرصالي وعبد المجيد النابلي عالم الآثار الكبير الحاصل على جوائز عالمية والقاضية جويدة قيقة وسهير بلحسن وعبد الكريم قابوس المهتم بتاريخ السينما والمطرب محسن الرايس الذي سلمنا تسجيلات نادرة جدا من الأغاني والبرامج وزينب الكعاك مؤلفة كتب في فن الطبخ التي سلمتنا وثائق والدها مصطفى الكعاك الذي كان يشغل خطة الوزير الأكبر، وحتى المؤرخ عبد الجليل التميمي الذي أشرف في وقت من الأوقات على إدارة الأرشيف الوطني فتولى تسليم المؤسسة وثائق مهمة، وهو نفس ما فعله الهادي التيمومي وفتحي القاسمي وأحمد المعموري الإذاعي المعروف ومرشد الشابي الخبير في التهيئة العمرانية.

من الوثائق الأخرى التي تسلمها الأرشيف الوطني والتي لها دلالة خاصة وقيمة رمزية، النص الذي كتبه جيلبار نقاش في السجن بخط يده على علب سجائر الكريستال، فأن يقع تسليم الأرشيف الوطني تلك الورقات فهذا أكبر دليل على عودة ثقة المواطن في مؤسسات الدولة. كما تولى محمد الهاشمي الطرودي قبل وفاته تسليمنا مكتبته، وقام عفيف البوني بتسليمنا رسالة كتبها المنصف باي وكتب حول الإسلاميين، وسلمنا مواطن من جربة يدعى الصادق بوعزيز (مؤرخ وباحث سابق بالمعهد الوطني للتراث) 330 حجة وقد تولينا رقمنتها وتسلمنا أرصدة أخرى من ولاة ومعتمدين ومديرين عامين سابقين وموظفين في الدولة.

أرشيف الأحزاب والمنظمات

هل تولت أحزاب سياسية ومنظمات وطنية تسليم أرشيفاتها لمؤسسة الأرشيف الوطني وهل بادرتم بالاتصال بها وتفسير أهمية هذه العملية لحفظ الذاكرة الوطنية ودعم أنشطة البحث العلمي؟

-إلى جانب الأرصدة الخاصة بأشخاص تسلم الأرشيف الوطني رصيدا وثائقيا هاما من بعض المنظمات والأحزاب، مثل الكشافة التونسية وحزب المسار وحركة التجديد والحزب الشيوعي والاتحاد الوطني للمرأة التونسية والهلال الأحمر وحركة برسبكتيف، وتسلم الأرشيف وثائق خاصة باليسار والعامل التونسي وهي من الهاشمي بن فرج ونور الدين الشطي وحسن الورداني ووثائق أخرى خاصة بالاتحاد العام لطلبة تونس منذ المؤتمر 18 الخارق للعادة لسنة 1988 وإلى حدود 2015 وقد تولى وائل نوار تسليم هذه الأرصدة الهامة، وبالنسبة إلى حركة الاتجاه الاسلامي والنهضة فإنها لم تسلم وثائق للأرشيف لكن هناك جمعية قريبة من الاسلاميين وهي جمعية الكرامة ورد الاعتبار التي اشتغلت على ملف العدالة الانتقالية وقامت بإعداد جذاذات سلمتها للأرشيف. كما تسلمنا وثائق من معهد البحوث والتنمية ومن الجمعية التونسية للعلوم الطبية ونعمل على رقمنتها وقد تم تأسيس هذه الجمعية منذ قرابة 120 سنة وهناك أيضا الجمعية التونسية لدعم العلاج بالخلايا الجذعية وودادية قدماء البرلمانيين التونسيين والجمعية التونسية للمحافظة على الألعاب والرياضات التراثية فجميعها مكنتنا من أرشيفاتها الخاصة..، وبالنسبة إلى الاتحاد العام التونسي للشغل فقد حرصنا على التواصل معه في وقت سابق ودعوته إلى تسليم أرشيفاته إلى المؤسسة وكان هناك ترحيب بالفكرة لكن العملية لم تتم.

وماذا فعلتهم بأرشيف التجمع الدستوري الديمقراطي وهل تسمح مؤسستكم بالنفاذ إليه؟

-لقد تم جمع أرشيف التجمع الدستوري الديمقراطي وحفظه بقرار من الوزير الأول سنة 2011 وتم جمع هذا الأرشيف بمساعدة وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية ووزارة الداخلية ووزارة الدفاع الوطني وتم حفظه، والنفاذ إلى هذه الوثائق ليس ممنوعابل يخضع إلى الشروط القانونية الخاصة بالإطلاع على وثائق الأرشيف.

ملف الباجي قائد السبسي

يخضع استغلال الأرشيف إلى ضوابط قانونية وآجال وهو ما يعني أنه لا يمكن على سبيل الذكر النفاذ اليوم إلى ملفات شخصيات وطنية حتى وإن فارقت الحياة على غرار الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي.

-فعلا إن استغلال الأرشيف من قبل العموم يخضع إلى أحكام القانون عدد 95 لسنة 1988 المؤرخ في 2 أوت 1988 وهذا القانون يحدد آجال الإطلاع على الأرشيف وهي تتراوح بين 30 و100 سنة حسب نوع الوثائق، فالقانون جاء لحماية الأرشيف والمعلومات المضمنة به وذلك حفاظا على مصالح الوطن وأمنه والحياة الخاصة وهذا ليس في تونس فقط ففي دول أخرى مثل فرنسا هناك وثائق لا يمكن الإطلاع عليها إطلاقا وتبقى سرية مدى الحياة مثل الوثائق التي تتعلق بالأسلحة، في حين أن أطول مدة في تونس هي مائة سنة من تاريخ ميلاد الشخص، وبالتالي لا يمكن الإطلاع على الملف الشخصي للرئيس الراحل الباجي قائد السبسي إلا سنة 2027 أي أنه لا بد من الالتزام بأجل المائة سنة من تاريخ مولده.

كان لكم لقاء مع الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي يوم 20 ديسمبر 2017 وتوليتم تسليمه نسخة من دستور 1959 وسألكم يومها هل أنها النسخة الأصلية فماذا دار بينكما يومها من حديث؟

ـ كان ذلك اللقاء قصير وأنا لا أحبذ إطالة الكلام مع السياسيين ولا أريد تجاوز الإطار العلمي والإداري والتدخل في مسائل أخرى، وكل ما قاله الرئيس الراحل هو تعبيره عن ثقته في مؤسسات الدولة ورغبته في تطبيق القانون، وبالنسبة إلى النسخة من دستور 1959 التي سلمتها له في ذلك اليوم فتجدر الإشارة إلى أن النسخة الأصلية من الدستور كانت موجودة في قصر الرئاسة بقرطاج وبذلنا جهدا في الحصول عليها لفائدة الأرشيف الوطني وعملنا على نسخها وسلمنا الرئيس نسخة وقد سألنا عند التسليم إن كنا أعطيناه الوثيقة الأصلية وأجبناه أنها نسخة أما الوثيقة الأصلية فتم حفظها في الأرشيف. ولكن هناك لقاء آخر جمعني بالرئيس الراحل ولم يقع تصويره وكان مطولا وسلمناه خلاله الجرد الذي قام به الأرشيف الوطني لوثائق رئاسة الجمهورية.

ولا بد من التذكير في هذا السياق أنه في فترة الرئيس المنصف المرزوقي تم التفكير في تكوين متحف يحتوي على وثائق الفترة البورقيبية وتم القيام باتفاقية مفادها أن أي وثيقة تخرج من رئاسة الجمهورية يجب أن تذهب مباشرة للأرشيف الوطني ولكن في تلك الاتفاقية تم القيام بجرد لوثائق الفترة البورقيبية، وبعد هذه العملية ولما تمسكت رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة بالحصول على أرشيف رئاسة الجمهورية تم القيام باتفاقية أخرى يتولى الأرشيف الوطني بمقتضاها القيام بجرد للأرشيف وعندما تحتاج الهيئة إلى الإطلاع على ملف يقع نسخه وتسليمه لها، وكان اللقاء مع رئيس الجمهورية إذن لتسليمه الجرد ولإخباره بأنه سيتم تمكين الهيئة من الإطلاع عليه فطلب منا أن نطبق القانون، وقد تحدثنا في ذلك اللقاء طويلا خاصة وأنني استمعت إلى شهادات العديد من المناضلين لما كنت باحثا بالمعهد العالي لتاريخ الحركة الوطنية وأعتقد أنه كان بالإمكان لمسار العدالة الانتقالية أن يأخذ مجراه الصحيح لكن الهيئة ورئيستها لها أغراض أخرى ولهذا السبب فشل المسار لأنه لم يقتصر على التفاوض في إطار العدالة الانتقالية.

وبعد ذلك ولما أنهت هيئة العدالة الانتقالية أعمالها دعتني مباركة البراهمي رئيسة اللجنة البرلمانية للشهداء والجرحى والعدالة الانتقالية إلى جلسة عقدتها اللجنة بقصر باردو بعد أن قرر البرلمان في جلسة عامة عدم التمديد للهيئة، ودار الحديث حول كيفية تطبيق قانون العدالة الانتقالية الذي ينص على أن الهيئة تسلم وثائقها للأرشيف الوطني أو لمؤسسة يتم إحداثها للغرض ولكن لم يقع إحداث المؤسسة ورئيسة الهيئة ترفض تسليم الوثائق للأرشيف بتعلة عدم توفره على الإمكانيات، وقد أجبت أمام اللجنة البرلمانية أن الأرشيف الوطني الذي يحفظ وثائق الدولة كاملة فكيف لا يستطيع حفظ وثائق هيئة الحقيقة والكرامة، واليوم أرشيف الهيئة في الحفظ والصون ولكن لا بد من التذكير بأن الأرشيف الورقي فقط تم تسليمه لمؤسستنا أما المحامل الالكترونية السمعية البصرية فتم تسليمها لرئاسة الحكومة.

تقديم المشورة والنصح

قلتم إن الأرشيف يحفظ كامل وثائق الدولة فكيف يقوم بهذه العملية؟

-بمقتضى التشريع الوطني فإن الإدارات والوزارات مطالبة بترحيل الوثائق التي تزول الحاجة إليها إلى الأرشيف الوطني والإطلاع على هذه الوثائق مضبوط بآجال مثلما أسلفنا القول لكن نفس القانون يسمح للمؤسسة بإتاحة الإطلاع على الوثائق قبل حلول الآجال القانونية عندما يتعلق الأمر بالبحث العلمي، وبالنسبة إلى القانون المتعلق بحق النفاذ إلى المعلومة فإنه يشمل جزءا محددا من الوثائق أما الجزء المتبقي فينطبق عليه قانون الأرشيف ومدده.

ولا يقتصر دورنا على حفظ أرشيفات الدولة بل نحن نقدم المشورة للمؤسسات والجماعات العمومية كي تتولى حفظ أرشيفاتها الجارية ومعالجتها بطريقة علمية فهذه العملية مهمة للغاية وقد قمت على سبيل الذكر بزيارة “دار الصباح” المصادرة واطلعت على أرشيفها وهو رصيد على غاية من الأهمية من الناحية التاريخية وقدمت بعض التوصيات لإدارتها ونحن على استعداد لمساعدتها على الرقمنة.

أعلن الأرشيف الوطني بعيد 25 جويلية الماضي في بلاغ له عن فتح بحث تحقيقي حول شبهات اتلاف وثائق إدارية فما هي نتيجة التحقيق؟

ـ لقد أجرينا البحث وتبين من خلاله أن كل ما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي من صور حرق أوراق هو لمجرد الشوشرة وإلهاء الرأي العام، كما أنه حتى وإن تبين فعلا إتلاف وثائق فإن إمكانية إفلات صاحب الفعلة من العقاب مستحيلة لأنه في إطار التسلسل الإداري المعمول به في تونس لا يمكن أن يقوم نفس الشخص بخطأ وبإخفاء الأدلة بمفرده ولا يمكن لنفس الشخص أن ينشئ وثيقة ويتصرف فيها وبتلاعب بها ويتلفها للهروب من المساءلة.

وهل حققتم في حادثة الحريق الذي نشب مؤخرا في مقر تابع للصندوق الوطني للتأمين عن المرض بالعاصمة وهل أتى الحريق فعلا على الأرشيف؟

-إن حريق “الكنام” لم يحصل في قسم الأرشيف المركزي وإنما في فضاء الاستقبال وعندما جاءت الحماية المدنية وقامت بعملية الإطفاء هناك وثائق تضررت بالماء، وقد تولينا الاتصال بالرئيس المدير العام للصندوقوكلفنا التفقدية بمتابعة الأمر وطلبنا تجفيف الوثائق ونصحنا المدير العام برقمنتها وسيتم في الأيام القليلة القادمة إجراء زيارة للإطلاع عن كثب على النتيجة، علما وان أرشيف الصندوق المركزي ليس في المبنى الذي نشب فيه الحريق وإنما في مكان آخر والوثائق الموجودة في ذلك المبنى يمكن تعويضها.. 

تقاليد راسخة

يعود تاريخ الاهتمام بالأرشيف في تونس إلى زمن قديم وتحديدا إلى عهد المصلح خير الدين وهي مسألة قد تغيب عن أذهان بعض التونسيين الذين يمرون اليوم من شارع 9 أفريل بالعاصمة ويشاهدون البناية العصرية ذات التصاميم المعمارية الجميلة التي تحتوي ملايين الوثائق.

ـ انطلق تنظيم أرشيف الدولة التونسية منذ سنة 1874 زمن الوزير الأكبر خير الدين حيث تم إنشاء هيكل يعنى بالأرشيف سمي بخزنة حفظ مكاتيب الدولة وهو يتبع القسم الأول من الوزارة الكبرى الذي يعنى بشؤون الأعمال والأوطان والعروش وإدارة تحرير المحاسبات، وتم وقتها نقل محفوظات الدولة من مقر حكم البايات بباردو إلى مقر الوزارة الكبرى ووقع تنظيم الوثائق بدقة وتسجيل الملاحظات المتعلقة بالحالات الخاصة التي تطرأ على كل وثيقة.. وبفضل هذا المجهود تم حفظ وثائق مهمة مثل نص عهد الأمان ودستور 1861 وقرار أحمد باي الأول في إلغاء العبودية..

وبعد الاحتلال كانت الوثائق المنتجة تصنف حسب نظام تصنيف مسبق مرتبط بجهة النشأة حيث توضع الوثائق في محلات تابعة لكل ادارة عندما تصبح غير نشطة ثم تحول إلى مصلحة الأرشيف العام للحكومة بالقصبة لتحفظ حفظا دائما، ولكن بعد الاستقلال حافظت الدولة على الوثائق التاريخية المجمعة قبل 1956 واستغلتها لكنها لم تول أهمية للوثائق الإدارية الناشئة، ولكن الرئيس بورقيبة كان يولي أهمية كبيرة للمعلومة وكان قبل أن يقوم بخطاب يكلف محمود بوعلي بالتثبت من وقائع ومعطيات ومعلومات حول أحداث وشخصيات، وحدث أن غير بورقيبة، بعد التحقق من معلومات خطابه وقرر العدول عن الحديث فيه عن علي بن غذاهم إذ أنه بعد الإطلاع على مطالب بن غذاهم وجد أن من بينها إرجاع سوق العبيد، وهو ما لم يستحسنه.إذن كان بورقيبة يهتم بالمعلومة التي لها علاقة بالحركة الوطنية وفي هذا السياق تولى الوزير محمد الصياح إنشاء سلسلة الحركة الوطنية التي تتضمن أرشيفات الحركة الوطنية ولكن الصياح بهذه العملية بعثر الأرشيف لأنه من غير المنطقي إخراج الوثائق من سياقها وجمعها في ملف واحد..

إلى أي مدى تقدمتهم في مسار استرجاع الأرشيفات الخاصة بالدولة التونسية والموجودة في الخارج؟ 

-تم منذ سنة 1982 وضع برنامج وطني للبحث في تاريخ الحركة الوطنية وتم في إطاره الاتفاق مع فرنسا على تكوين فريق من الباحثين والمؤرخين الشبان، وتم إثر ذلك إرسالهم إلى فرنسا، وقضوا سنوات في البحث، وفي بداية التسعينات قاموا باختيار الوثائق التي تهم تونس والموجودة في مختلف الأرشيفات الفرنسية ونسخها في صيغة ميكروفيلم، وتم حفظ النسخة الأصلية في الأرشيف الوطني أما النسخة المعدة للاستغلال فهي موجودة في معهد تاريخ تونس المعاصر، وتوجد 3500 بكرة وكل بكرة فيها بين 1200 و1500 لقطة. كما توجد اتفاقية مع تركيا لجلب الوثائق لكنها لم تفعل علما وأن الوثائق التركية بالارشيف التونسي عددها لا يتجاوز 2000 وثيقة (اللغة العصمالية وهي التركية التي كانت تكتب بالحروف العربية والتي كانت مستعملة قبل حقبة كمال أتاتورك). وبالنسبة إلى اسبانيا فقد تم جلب وثائق مرقمنة وكان ذلك سنة 2009ـ 2010. كما توجد اتفاقية مع البرتغال واتفاقيات مع دول الخليج لمدهم بالخبرة التونسية في المجال.

وتحرص مؤسستنا على الاستجابة لطلبات الإطلاع على المعلومة الواردة عليها من مواطنين وباحثين ومرافق إدارية وتتلقى سنويا 21 ألف طلب يتم التعامل معها والإجابة عنها وتكون الطلبات إما مباشرة بقاعة البحث والاطلاع أو عن طريق البريد العادي أو البريد الالكتروني او الهاتف وتتعدد الأغراض من هذه الطلبات فهي إما جامعية أكاديمية تتعلق بإعداد رسائل ماجستير ودكتوراه او بحوث حول التاريخ العائلي أو الجهوي والمحلي أو بحوث لفائدة الإدارة.

واليوم بعد الجهود التي تم القيام بها في تنظيم الوثائق الورقية وتكوين أرشيف تاريخي مهم نسعى إلى النجاح في رقمنة الوثائق الرقمية والالكترونية لأن تلفها وتزويرها والتلاعب بها سهل جدا وأنا كمؤرخ وأرشيفي أرغب أن تنجح تونس في المحافظة على وثائقها الرقمية مثلما نجحت في المحافظة على وثائقها الورقية منذ قرون وهذا ليس صعبا لأنه يوجد لديها أفضل التقنيين والمهندسين في الإعلامية.

المصدر : الصباح نيوز

Load More Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Check Also

القيروان: شاب يضرم النار في جسده

القيروان: شاب يضرم النار في جسده   أقدم مساء اليوم الثلاثاء شاب، عمره 30 سنة، على إضرام ال…