يقول المندوب الجهوي للصحة بالقصرين الدكتور عبد الغني الشعباني، في تصريحه لموزاييك، “من المحزن أن نشاهد بشكل شبه يومي، تنقل مواطنين، من الفئات الهشة، ومن المعتمديات الأكثر فقرا في تونس، عبر سيارات يتسوغونها على وجه الكراء، بمبلغ 50 دينار، وهو ما يمثّل جزءاً كبيراً من جرايته، وهي إعانة اجتماعية في أغلب الأحوال، من أجل العلاج في المستشفى الجهوي بالقصرين… هي أتعاب إضافية تثقل كاهل هذه الفئة الضعيفة وتضاعف من متاعبهم الصحية والنفسية وللاقتصادية…”
عندما تضرب مفاهيم العلاج العمومي في جوهرها..
وما المشهد الذي وصفه مدير الصحة بالقصرين إلا سردية مستمرة في الزمان والمكان، منذ عشرات السنوات، تضرب الحق في العلاج المجاني في ثوابته، في جهة ممتدة في الجغرافيا(بُعد معتمدية عن معتمدية أخرى قد يتجاوز ال100 كم) وتقدر الكثافة السكانية بنصف مليون ساكن، ولا يحتوي أمراضهم وعللهم إلاّ المستشفى الجهوي بالقصرين. معادلة عمقت من أزمة المواطن والمرفق العمومي في الوقت نفسه.
إذ يؤكد الشعباني في هذا الإطار أن المستشفى الجهوي بالقصرين يستقبل 250 مريضا بقسم الاستعجالي بشكل يومي، فيما تستقبل أقسام الاستعجالي العشرة بالجهة والمتوفرة بالمستشفى الجهوي والمستشفيات المحلية 1000 مريض يوميا، يحوّل فيهم الحالات الخطيرة من المستشفيات المحلية إلى المستشفى الجهوي، ومنهم من يحوّل إلى مستشفيات بعيدة أخرى.
حلم المستشفيات الجهوية المحدثة وكابوس تحوّلها إلى مجرد أرقام لمشاريع معطلة..
بعد الثورة ارتفعت مطالب الجماهير في القصرين بالصحة للجميع، وخضعت السلطة الحاكمة لتلك الاستحقاقات بإعلان بعث مستشفى جهوي بتالة وسبيطلة. لكن سرعان ما اصطدم ذلك الحلم بمشاكل عطّلته، ورفعت من كلفته، وعمّقت من تشعّبات مشاكله. إذ كان من المفروض تسليم المقاولة لمستشفى سبيطلة لإدارة الصحة شهر ماي من سنة 2018، لكن توقفت أعمال البناء داخله، وعادت ثمّ توقفت، وتكرر المشهد لمرات عديدة…
ويؤكد المدير الجهوي للصحة بالقصرين في تصريحه لموزاييك اليوم الإثنين 30 ماي 2022، أن الأشغال شبه متوقفة بالمستشفى الجهوي بسبيطلة، وهو ما قد يؤخر تسليمه إلى ما بعد الآجال الجديدة والتي حددت لشهر أوت من سنة 2022، رغم توفر الإطارات الطبية لعمل هذا المشروع الذي من شأنه أن يخفف الضغط على المستشفى الجهوي بالقصرين من 30% إلى 40%.
البلدية على الخط..
بدوره شدّد رئيس بلدية سبيطلة فيصل الرميلي لموزاييك، على أهمية التعجيل في انجاز المستشفى الجهوي بسبيطلة حتى يتحقق حلم المواطنين في الجهة بمرفق صحي يستجيب لتطلعاتهم.
فمعتمدية سبيطلة قد شهدت عديد التحركات الاحتجاجية المطالبة برفع التعطيل عن مشروع انتظرته الجهة طويلا.
نحو فسخ العقد مع المقاولة..
وفي اتصال موزاييك بوالي الجهة عادل المبروك حول أسباب شبه التوقف الحاصل في إنجاز المستشفى الجهوي بسبيطلة، أكد أن نية السلط المركزية تتوجه نحو فسخ العقد مع المقاولة المتعهدة بالأشغال، بعد تسجيل بطء وتلكؤ في الأشغال مؤخرا.
وأوضح والي الجهة أن السلط الجهوية تعمل على حلحلة المشاريع المعطلة منذ سنوات، لأسباب مختلفة، وقد وصلت فعلا لحلول أعادت الشركات المقاولة لإنجازها، وفق تعبيره.
في أحوال كثيرة تتحوّل الشعارات إلى استحقاقات، والمطالب إلى وعود، وتصبح الأماني منجزا حقيقيا، لكن خطّ رقيق فاصل يحوّل الحلم إلى كابوس في طوابير انتظار الموت الرحيم، داخل رحلة العلاج وطوابير التعطيلات والانتظار، والمطالبة بحق بديهي في الصحة والعلاج… وما المستشفى الجهوي بسبيطلة إلاّ نموذجاً لكل تلك المتناقضات العجيبة…
برهان اليحياوي
المصدر : موزاييك ف م
