Home أخبار أحمد القديدي يكتب لكم: حرب الشيشان المنسية…

أحمد القديدي يكتب لكم: حرب الشيشان المنسية…

0 second read
2
0

كتب: د. أحمد القديدي

نعم كل الأنظار متجهة نحو حرب أوكرانيا ونحو التحليلات المختلفة للظالم والمظلوم فيها، وطبعا السبب في عناية العالم بها هو أنها تجري في أوروبا القارة التي اعتقدنا أنها في مأمن أمين من الحروب منذ 1945 نهاية الحرب الأوروبية الكبرى التي سميناها خطأ بالعالمية وما هي بالعالمية!

كل الأنظار متجهة إلى العاصمة (كييف) وتزايد التسليح الغربي للمقاومة الأوكرانية لكن هذا لا يمكن أن ينسينا مأساة الشعب الشيشاني المسلم الذي يتعرض منذ ثلث قرن الى حرب دينية ذات حلقتين: الحلقة الأولى اعتقدنا أنها انتهت عام 1994 باستقلال جمهورية الشيشان المسلمة، والحلقة الثانية بدأت عام 1998 بغزو روسي شامل لتلك الجمهورية بحجة بعض التفجيرات المريبة في موسكو!….

وغريب أن العالم أدار وجهه عن تلك المأساة ولم تحركه صور (غروزني) المهدمة تحت القنابل ولا قتل الابرياء ولا حرق المساجد ــ حتى نحن المسلمين انشغلنا عن تلك الفاجعة بقضايا أخرى أشدّ مرارة ولوعة كقضية فلسطين ــ لكن هذا لا يبرر السكوت عن اضطهاد شعب الشيشان في مناخ التحالف الاستراتيجي العالمي. والمسلمون لهم في الشيشان إخوة، وجاءت حادثة إغتيال الرئيس الأسبق للشيشان سنة 2004 لتذكر العالم بأن في الشيشان حرباً منسية.

المأساة الشيشانية

وقلنا لعل تلك الحادثة تفتح عيون الرأي العام العالمي على حقيقة المأساة الشيشانية بل لعلها فرصة متاحة لنجيب عن تطلعات شبابنا العربي والمسلم وهم يتساءلون عن أصل الشيشان وجذور المقاومة الشيشانية للغزو الروسي، ونحن نعلم أن بعض المثقفين العرب انقطعت صلاتهم المعرفية بهذه الشعوب المسلمة التي جعلتنا ــ الاحداث ـ الدموية الاخيرة نتعرّف اليها مثلما فعلنا مع الشعب البوسني ومع الشعب الكوسوفي…
بل ان اغلب العرب لم يسمع عن هذه الشعوب من قبل وهو دليل على ضرورة اعادة النظر في مناهج الدول العربية في التربية والتعليم والإعلام والثقافة حتى لا تحفر الخنادق بين العرب وبين أمة اسلامية مترامية الاطراف يجهل بعضها بعضاً.
وكذلك بالنسبة للشيشان فقد بدأنا نعرف هذا الشعب منذ العام 1993 حين هاجم الجيش الروسي مدنهم وقراهم وتم الانتصار المبين للشعب الشيشاني لأنه يقاوم محتلين لا تربطه بهم لا صلة دين ولا عرف ولا لغة ولا حضارة.. اللهم الا استكبار وهيمنة وتعويض روسيا عن انهيار امبراطوريتها القيصرية.

أصل القضية

وقد هبت بعض أقلام العلماء العرب تبحث عن اصل قضية الشيشان وصدرت بعض الكتب القيمة منذ العام 93 ومنها كتاب متميز للدكتور السيد محمد يونس الذي نشرته رابطة العالم الإسلامي في سلسلتها دعوة الحق ــ عام 1994 ــ وهو يستعرض تاريخ نشر الدعوة الاسلامية في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه عام 18 هجري (639 ميلادي) حيث فتحت أذربيجان من بلاد القوقاز وبعد ترتيب أمورها وتنظيم احوالها توجه الفتح الى ما وراءها من البلاد فاستقبلت بلاد الشيشان الفاتحين حيث كانت تعاني من الاستعمار البيزنطي الذي استعبدها وأكل خيراتها ونهب ثرواتها وإرهاب الكنيسة الارثوذكسية في محاولة منها لإخضاع أهل الشيشان لمذهبها…

وقام المعلمون ببناء الجوامع والمدارس وتصدر العلماء العرب للتدريس بل توزع العلماء الشيشانيون في بلاد الإسلام طلبا للعلم. يقول عنها ياقوت الحموي في معجم البلدان: (الشاش إقليم ما وراء النهرين (جيحون وسيحون) خرج منها (خلق) من العلماء والرواة والفصحاء… أهلها شافعية ويرجع ذلك الى أبي بكر محمد بن اسماعيل التفال الشاشي الذي فارق وطنه وتفقه وعاد إليه ونشر به المذهب الشافعي.
هذا وتداول الاحتلال الروسي القيصري ثم السوفييتي الشيوعي على تفريغ الشيشان من سكانها فأصبح عددهم في التسعينيات من القرن الماضي لا يزيد على مليون ونصف المليون وأقام عدد في تركيا وعدد في الأردن وعدد في سوريا وعدد في داغستان.
ونصّب الروس عليهم في (غروزني) إدارة قيصرية عرقية ثم ادارة سوفييتية عنصرية. يقول د. السيد محمد يونس: (ولما أشرقت أنوار الإسلام من مهد الإسلام مكة المكرمة انتشر شرقاً وغرباً وتوجهت الفتوحات الى بلاد القوقاز في القرن الأول الهجري وتوالت الفتوحات في الدولتين الأموية والعباسية إلى أن انتشر الإسلام في كل القوقاز. وصارت بلاد الشيشان منذ أواخر العصر الأموي ولاية تتبع الدولة الإسلامية وفي العصر العباسي كانت أهم ولاية لها حيث كانت الدولة الإسلامية تعتمد على فضة الشيشان في صناعة العملة.
وعندما قامت الدولة العثمانية عملت على نشر الإسلام وحضارته في بلاد الشيشان وتوسعت في بناء المدارس والجوامع لتكون منارة. يقول المؤرخان (ينجسني) و(كلكاجي) في كتابهما (المسلمون المنسيون في الاتحاد السوفييتي): (عرف الشاشان بقوة تمسكهم بعقيدتهم والذود عن حماها وعانوا في ذلك الأمرين من الروس من الاضطهاد الى القتل والتعذيب والتهجير والغريب ان اعدادا كبيرة من الروس الذي فرضتهم دولة موسكو على الشيشان اعتنقوا الاسلام وانضموا روحاً ووجداناً الى ابناء الشيشان و اندمجوا في المجتمع ولم يعودوا الى مدنهم وقراهم. يقول د. السيد محمد يونس: (شتان بين ما يفعله الروس الطغاة من تدمير المدن وقتل المدنيين الأبرياء وبين ما يراعيه المسلمون في حروبهم).

حرب على الإسلام!

هذا عن نكبة سنة 93 و94.. أما العدوان الحالي المقصود منه إبادة شعب الشيشان فأعظم هولاً وأفجع ضحايا وأكثر رعباً. لقد حورب الإسلام في الشيشان فكان عدد المساجد المسموح بها عام 1980 سبعة فقط. ويمضي الكاتب المؤرخ يعدد أفضل علماء الشيشان وأئمته فيذكر تاريخ أبي بكر محمد بن علي بن إسماعيل الشيشاني. ويذكره ياقوت الحموي وابن الخطيب الأول في المعجم والثاني في الوفيات وهو صاحب كتاب أصول الفقه وكتاب محاسن الشريعة وكتاب شرح رسالة الشافعي وكتاب أدب القضاة. كما يذكر المؤرخ الإمام أبي بكر محمد بن أحمد بن الحسين الشاشاني الملقب بفخر الإسلام ومن مؤلفاته (كتاب حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء) وكتاب (المعتمد) وكتاب (الشافي). ومن العلماء كذلك الشيخ أحمد بن عبدالله بن محمد الشيشاني الذي درس الفقه ببغداد وكذلك الشيخ أبو المحاسن بن يوسف الشاشاني الشاعر والراوية, والشيخ الحافظ أبو سعيد الهيثم الشاشاني وعشرات وعشرات غير هؤلاء الأعلام. وهذه جولة صغيرة في بلاد الحضارة الاسلامية السمحاء التي يدك أعداء الأمة بدون رحمة ولأسباب واهية من التحالفات والتوازنات… في لعبة داخلية ودولية قذرة وقودها شعب مسلم له حضارة وله مجد وله علينا دين ولنا نحوه عرفان بالفضل وواجب النصرة والتأييد.

المصدر : الصريح

Load More Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Check Also

اليوم : وقفة احتجاجية للتنديد بالتدخل الاجنبي و بتوطين أفارقة جنوب الصحراء

اليوم : وقفة احتجاجية للتنديد بالتدخل الاجنبي و بتوطين أفارقة جنوب الصحراء ينفذ اليوم عدد …