من بين أكداس الخردة المتناثرة، في كلّ مكان داخل مستودع، بحي شعبيّ، في مدينة القصرين، يداعب يامن(41 سنة)، عادم سيّارة مهمل(Échappement)، عثر عليه مؤخّراً، في أحد شوارع القصرين، بعد أن تخلّص منه صاحب العربة، وبات خردة تمثّل خطراً على المارّة، وتشويهاً إضافيّاً لبيئة مشوّهة بطبعها. يحرّك يامن كدس حديد العادم في كلّ الاتّجاهات، ينظّفه ممّا علق به من ترسّبات، يصقله بورق الصّنفرة الّتي ينظّف بها أيضاً قُرْص سيّارة قديم.
يقول لموزاييك، بين شرارات النّار المتطايرة من أجل إلصاق العادم بالقرص، إنّ المجسّد بات واضحاً في ذهني، العادم والقرص وسلسلة درّاجة هوائيّة مهملة وبعض أكوام الحديد الّتي كانت مكدّسة في الشّوارع، من هنا وهناك، ستتحوّل إلى مجسّد لفرس البحر، بعد ساعات.
يامن واحد من الفنّانّين التّشكيليّين الّذين رسكلوا المهملات، فحوّلوها إلى قطع فنيّة جميلة. فنٌّ إحترفه منذ أكثر من 10 سنوات، ودخل بفضله إلى معارض كثيرة، وطنيّاً وعالميّاً، وفق تصريحه لموزاييك.
يعرض يامن، أمام الكاميرا، جملة المجسّدات الّتي تزيّن مستودعه الصّغير، يتحدّث عن كلّ عمل لوحده، بشغف، فلكلّ تحفة سرديّتها وظروفها الخاصّة بها، ويؤكّد أنّ كلّ مجسّد يأخذ منه بضع السّاعات، أو عدداً من الأيّام؛ حتّى ترتسم الحياة فيه من بقايا الحديد والنّفايات.
يذكّر محدّثنا بأنّه يقضي وقتاً طويلاً في جمع الخردة، ويضعها في ركن في مستودعه، ثمّ يقوم بفرزها، وفق أحجامها المختلفة. فلكلّ قطعة حديد مكان معيّن في مجسّد ما، ولكلّ حركة يقوم بها تأثير معيّن على تحوّل المهملات إلى ماهو فارق.
يواصل يامن، في مستودعه، عمله على مجسّده الّذي بدأت ملامح فرس البحر تتجلّى فيه، بين أكوام الخردة الّتي كانت منذ زمن غير بعيد مجرّد حديد صدئ في ركن متواضع، بعد جمعه من الشّوارع والمصبّات، ليؤكّد مجدّداً أنّ الابتكار وحده قادر على أخذنا من النّقيض إلى أقصى النّقيض، عبر تُحف لو تكلّمت لغتنا لقالت:”هنا تتحوّل الخردة المهملة إلى فنّ وحياة…”
برهان اليحياوي.
المصدر : موزاييك ف م
