Home أخبار رجب حاجي يكتب لكم: الغالب هو الذي يكتب التاريخ… ؟

رجب حاجي يكتب لكم: الغالب هو الذي يكتب التاريخ… ؟

4 second read
2
0

كتب: رجب حاجي

إن التونسي حزين لمشاهد مؤلمة: غزا الموت منزله، وأطاح بأهله في الشوارع، في المستشفيات، في المدن الكبيرة والصغيرة، في القرى والحقول، وازدادت غلاء المعيشة وأصبحت عنده لا تطاق…

واضطربت الأفكار لديه، نتيجة ما تنشره الصحف والمواقع الاخبارية، الممولة في أغلبها من المال الفاسد، وانتصب اصحاب الهيئات في كل ميدان حتى فاق عددها المعقول، وافرغ المشهد السياسي من كل تطلعاته، وغابت الرقابة باسم الثورة وغزا سوء التصرف كل أرجاء البلاد، ودواليب الادارة و خفاياها، واختلط الحابل بالنابل، وأظهرت تونس إنها ‘بلاد العجائب والغرائب’، كما أكدنا عليه في كتاباتنا، حيث أصبح السجين وزيرا، والوزير سجينا، وحتى العاهرة لها القول في السياسة وتطلعاتها مضمونة، فتعفن اذا الهواء وكثر الخلط والخبط…

لا حوكمة رشيدة!

تلك هي بوادر خلفها فقدان “الحوكمة الرشيدة”، ونسجها من يعتبر نفسه من أهل الحل والعقد، حيث انتصبت احزاب  بدون منخرطين، جلها عبارة عن عائلات محدودة العدد…
ونشطت جمعيات تعمل في الخفاء بغايات بعيدة كل البعد عن لم الشمل، وزرع المحبة، واحترام القانون، و كان من البديهي، من واجب الكتل والجمعيات والأحزاب وكل التجمعات،  في هذه الظروف الصعبة، احترام قوانينها والكشف عن تمويلها، والإدلاء عن منهجها، والدفاع عن هويتها بالحجة والبرهان، لإرجاع الثقة في النفوس، وايقاف نزيف التدهور، والرجوع  الى العمل المثمر لإنقاذ البلاد من ما وصلت اليه…

أتوسل إليكم!

وأنا مواطن عادي، أضم صوتي من جديد إلى صوت ملايين من رفاقي لأتوسل، نعم  أتوسل مرة ثالثة  إلى الحكام ان يتقوا الله في تونس، وان يقيموا  ما وصلوا اليه في اداء المسؤولية، التي انيطت بعهدتهم، وأن يتنح أغلبهم من المسؤولية عن طواعية، لأن جردهم غير مرضي، واداؤهم غير موجود…

أتوسل إليهم، لان الاعتراف بالخطأ ميزة، واقول لهم حذاري من التاريخ لأنه انتقائي، ولا يمكن التنبؤ بمجراه، ومنذ الثورة، يريد بعضهم، بطريقته الخاصة، ترك ذكراه فيه، فتكاثرت وازدهرت الندوات،  وانتظمت في الفنادق الفخمة، فمن الذي يحتضنها يا ترى؟ بالإضافة إلى من احتل مراكز الواجهة في وسائل الإعلام وابواب السلطة، لا لقول الحقيقة بل للتباهي والإفراط فيه؟
بعثت من قبل هؤلاء المغترون المدعون بالخبرة، وهم يمثلون  “السلالة الجديدة”، يقدمون دائما نفس التنغيم ونفس الحلول الواهية، و يعملون عبر واسطة الصحافة، او الشبكات الاجتماعية على تغييب فيها المهنية بأصنافها، حتى اصبحت لم تعد تؤدي دورها في التثقيف والارشاد، تميل مع الريح حيث تميل، وتستجيب لأهواء  المال الفاسد، و تلبي مقتضيات التجسس، وتعمل على تشويه رجالات البلاد، والحط من مكانة الثورة، وما اتت به من طموحات و احلام الى الغد الافضل….
ومن تمنيات في “الرجل المناسب في المكان المناسب”، كل ذلك لحماية البلاد من استعمار مقنع جديد، يسيطر على التصورات ويرسم المآل، وحتى نصيب  البلاد من عائدات النمو المتوقع انجازه في  العالم، اضاعوه، بل عملوا على تدوين الأزمات المتوالية وترويجها، وإغراق البلاد بديون تفوق قدرتها على ارجاعها للمُقرضين في اي أمد قريب او بعيد، وتناسوا قولة جون آدمز “هناك طريقتان لغزو واستعباد أمة…واحدة بالسلاح والأخرى بالديون »…

لقد أتت السياسة على الاقتصاد وهو اختيار أحادي لمن تولى الحكم، ونتيجته كارثية بجميع المقاييس، ونبهنا لذلك وغيرنا في اوانه، فلم نجد الآذان الصاغية، وتوالى مئات الوزراء ولم يتركوا بريق امل لخروج البلاد من كبوتها، لانهم غير مؤهلين لتلك المناصب، ولا لقيادة الامة، وتخطيط مسارها الى شط الامان، فالواجب يدعو إلى وقفة امل للنقد الذاتي، وتحليل دمار العشريات التي انقضت، حتى نتعظ بالماضي ولا نعود الى نفس الاخطاء، ولنا في التعامل مع كارثة “الكوفيد” دروسا يجب استنتاجها،  وقد دفع الثمن شهداء بأرواحهم،  عند ربهم يرزقون،  لعدم الأخذ بيدهم في الابان،  وجهل من اداروا الحرب -كما وصفوها- ضد الكارثة،  وتشدقهم بالمعرفة، وظنهم أنهم سيطروا عليها،  ويترقبون “نوبل” جزاء لكفاءاتهم المفقودة، وغرورهم اللا نهائي، وللرئيس اليوم بعث لجان تقصي الحقائق في ادارة الكارثة،  وتسليط الأضواء على نقائصها،  ومحاسبة من اخل بدوره في أداء واجب “الوقاية خير من العلاج”،  ولم يأخذ وفريقه، الاحتياطات اللازمة،  لإدارتها بتبصر ودراية، وقد تبرع المواطن عن طواعية، رغم ظروف عيشه المتردية،  ولم يعرف مآل الاموال التي جمعت،  وكيف وقع صرفها. وبما ان السياسة تدار اليوم بسبر الآراء وبما انه غير منظم في بلادنا، وهو مصدر شكوك وتتمة للاستشارة لما لا تكليف المعهد القومي للإحصاء بالشراكة مع الخارج الى سبر آراء توضح فيه اختيارات ومناهج لبناء منهج وتدشين خارطة طريق.

الرجوع إلى الكفاءات..

ان الرجوع الى الكفاءات، وإلى أهل المعرفة، للتطلع الى الافضل، ضرورة ليتعافى الاقتصاد، ويرجع القطاع الى سيره، وما دور الانتخاب، إن كانت نزيهة وشفافة، الا ان تبعث الأمل من جديد في النفوس، ولمن يدعي في السياسة معرفة فلا تهمنا نواياه، بل النتائج التي يتحصل عليها، وهو يمارس الحكم، ويخيل له انه يقود الامة…
فالواجب اذا يدعو الى إقامة جرد كامل للوضع الحالي للبلاد، اقتصاديا واجتماعيا وبيئيا وحتى هيكليا، للشروع في مواصلة بناء جديد على أسس شفافة، يكون فيها الرجل المناسب في المكان المناسب، يقودها فريق حكومي قليل العدد، أقصاه خمسة عشر وزير، يمتازون بالمثالية في السلوك، ونظافة اليد، ويلتقون حول مشروع اصلاحي، واضح المعالم، مرقم في انجازه، يمتد على مخطط بخمس سنوات، يشمل الاولويات التي يقع الإجماع حولها كالنهوض بالمناطق غير النامية، واعادة النظر في التعليم والصحة والسكن… وكل ما يهم المواطن، لتحقيق العيش الكريم ، ويكون” العقد الانمائي المبرم بين الشرائح الممثلة للشعب”  ضامن للعودة الى العمل، والسير بالبلاد الى الافضل، ولنترك للتاريخ الحكم على من قدم لتونس الخدمات الجليلة، وللعدالة المحايدة التحقيق مع من عبث بتراثها، واغتنم الرسالة التي كلف بتأديتها، للإثراء الغير شرعي، وكل من يطمح لهذه التطلعات، وجب عليه المشاركة في محطات التفكير المقبلة، والحث على خوضها، والحرص على ان تتسم بالشفافية والنزاهة والواقعية، لأن الثورة أصبحت اليوم قضية منهج، وأسلوب حكم، وللشعب فرصة جديدة للأخذ مصيره بأيديه في الانتخابات التي هي على الابواب، وله ان يختار من له المصداقية، وقد جرب الكثير من الذين اعتنقوا السياسة، وركبوا الثورة، ونتائجهم تجلت في هذا الوضع المتردي، الذي لا يرسخ الخيار الديمقراطي الذي نادى به بجميع اصنافه، ولا مواصلة بناء الدولة العصرية ولا حمايتها والذود عن استقلال قرارها، ولنترك عشاق الشهرة وازلامهم إذ هم لا يفقهون نواقيس الخطر التي تدق من كل الجوانب و لأن الشرعية هي في الحقيقة “الصدق في القول والانجاز في الوعد”.  

========                                                              

د.رجب حاجي : دكتور في الاحصائيات- دكتور في الاقتصاد- شهادة تكوين مستمر

بجامعة هارفارد الأمريكية – ألف أربع كتب في علم الاحصاء في المستوى الجامعي- اول رئيس بلدية ملولش- شغل رئيس ديوان المرحوم محمد الصياح عشرات السنين و رئيس ديوان وزيرة الصحة ومكلف بمهمة في اختصاصاته لدى رئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر اطال الله عمره الى غيرها من المسؤوليات الوطنية.         

المصدر : الصريح

Load More Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Check Also

تونس توقّع اتفاقية تعاون في مجالي التعليم العالي والبحث العلمي مع فلسطين

تونس توقّع اتفاقية تعاون في مجالي التعليم العالي والبحث العلمي مع فلسطين وقّعت تونس، اليوم…