Home أخبار نوفل سلامة يكتب: جدل الترحم على الإعلامية شيرين أبو عاقلة… ومأزق تحرير الفتوى

نوفل سلامة يكتب: جدل الترحم على الإعلامية شيرين أبو عاقلة… ومأزق تحرير الفتوى

0 second read
2
0

كتب: نوفل سلامة

تابعت باهتمام كبير الجدل الدائر في الآونة الأخيرة على المواقع الافتراضية، وفي شبكات التواصل الاجتماعي وفي بعض وسائل الإعلام العربية والتونسية حول جواز أو عدم جواز الترحم على غير المسلمين من الموتى…

وهل يجوز شرعا في ديننا الإسلامي أن نطلب الرحمة لغير المسلمين من إتباع الديانات الأخرى من الذين قدموا الخير للبشرية وقاموا بأعمال صالحة للإنسانية في علاقة بدعوات الترحم التي طالب بها بعض المسلمين لشهيدة الاعلام وشهيدة القضية الفلسطينية الإعلامية شيرين أبو عاقلة التي اغتالتها يد الغدر الصهيونية وهي تؤدي عملها في توثيق ونقل حقيقة جرائم الاحتلال الصهيوني و ما قام به جنوده من اقتحام لمخيم جنين…

تأويل خاطئ!

ما استوقفني في المواقف والآراء التي أنكرت ومنعت الترحم على هذه الإعلامية التي تنتمي إلى الديانة المسيحية وحرمت طلب المغفرة لها أثناء تأبينها بدعوى أن الإسلام حسب ظنهم يحرم على المسلم الترحم على الكافر أن كل هذه الآراء قد عادت إلى المدونة الفقهية التراثية وإلى ما أصدره علماؤنا القدامى من فتاوى وقاموا بعملية استحضار لها و تنزيلها على واقعة معاصرة…
وهي حادثة تأبين الشهيدة شيرين أبو عاقلة وهذه عملية معرفية نحسب أنها تحتاج الى مراجعة وإعادة نظر على اعتبار أن العودة إلى المدونة الفقهية واستجلاب واستحضار موروثنا الديني من آراء واجتهادات الفقهاء والعلماء القدامى مهم وضروري للفهم والإدراك والإلمام بالمعرفة الدينية، غير أن المشكل الذي رافق هذه العودة لتراثنا الفقهي على أهميته يثير مأزقا منهجيا يحتاج إلى نظر وتدقيق يخص مسألة الانتباه إلى سياقات النوازل وأسباب ورود الحوادث والملابسات التي أفرزت كل تلك الفتاوى التي نجدها اليوم في المدونة الفقهية القديمة وهذا يطرح مشكل آخر يتعلق بالعامل الزمني والتاريخي الذي أنتج النازلة وأنتج الحكم عليها بمعنى أن منجز فقهائنا وعلمائنا وما قدموه من فهم شرعي ومن فتاوى فقهية كان مرتبطا بحوادث ونوازل جدت في لحظتها وارتبطت بسياقات تاريخية هي بالضرورة سياقات مختلفة كليا عن سياقات الحوادث والنوازل المعاصرة…

قضية دينية كبرى

ما أردنا قوله هو أن كل الاستدلالات التي قدمها أصحاب الرأي القائل بعدم جواز الترحم على الشهيدة شيرين أبو عاقلة هي آراء محترمة لعلماء الإسلام المحترمين وهي اجتهادات قيلت وتم صياغتها باعتبارها إجابات على حوادث زمانهم ونوازل عصرهم، مما يجعلها غير معنية بالحادثة التي نحن بصدد الحديث عنها…
وبما يعني كذلك أن الفتاوى القديمة قد جاءت بناء على معطيات وحوادث أدت إلى انتاج تلك الاجابات الفقهية وهذا الأمر يطرح قضية دينية كبرى تتعلق بضرورة تحرير الفتوى المعاصرة من عبء وإكراهات الفتاوى القديمة وتحرير الفهم المعاصر للنصوص الدينية من ثقل المعرفة القديمة في علاقة بالواقع المعاصر، والأفهام التي وردت عن علمائنا القدامى في تفاعلهم وتعاملهم مع نوازل زمانهم وهي قضية خطيرة…
مع كل أسف يتم التغافل عنها اليوم لنجد أنفسنا أمام معرفة دينية معاصرة وفهم ديني حديث يعيد إنتاج المعرفة والفهم القديمين ويعيد ترويج الفتوى القديمة التي قد لا تنطبق ظروفها بالضرورة على حوادثنا المعاصرة لاختلاف السياقات وأسباب ورود الحوادث على أنها الحقيقة الدينية المطلقة المسيجة من كل محاولة فهم آخر مختلف…

للفهم والتدبّر

وفي هذا المستوى اطرح للفهم والتدبر والتأمل نصا دينيا مهما قد يفتح الآفاق لإعادة القراءة نحو فهم آخر مختلف عن الفهم الذي استشهد به من عارض الترحم على الإعلامية شيرين أبو عاقلة كثيرا ما نغفل عنه وهو قوله تعالى في سورة غافر:  وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ (6){الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شيء رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)}. الآيات 6 و7 و8 و9 من سورة غافر.
هذه السورة المهمة بدأت بتعريف الله سبحانه وتعالى بكونه هو الغافر لكل الذنوب والسيئات وكل ما يأتيه الإنسان من أخطاء في حياته الدنيا من أجل ذلك سميت هذه السورة ” غافر” و منذ البداية انطلقت السورة بتعريف أوصاف الخالق سبحانه وتعالى بأن وصفته وعرفته بأنه ” غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير ” والملفت للانتباه أن القرآن الكريم قد جعل مصير الخلق من مشمولات الله وحده ومعرفة النهايات ومآل العباد بعد الممات من مشمولات الله وحصرت الحكم على عموم مصائر العباد إلى الله فهو وحده الذي يعرف ويحكم على عباده المؤمنين وغير المؤمنين ولا يشاركه في هذا الأمر أحد وانطلاقا من هذه المقدمة الضرورية التي بدأت بها السورة تناول النص القرآني عرض بعض نماذج لأقوام أنكروا وجود الخالق وتخلوا عن الإيمان والحكم على مصيرهم إلى النار ..
ثم انطق القرآن في الحديث عن سعة رحمة الله من خلال مشهد مذهل ومؤثر للغاية وهو مشهد حملة العرش من الملائكة وغيرهم من المخلوقات التي لم يذكرها القرآن والوظائف التي يقومون بها وهي حمل عرش الرحمان ومهمة أخرى في غاية الأهمية وهي التسبيح والتحميد والدعاء للمؤمنين بقطع النظر عن انتمائهم الديني ” ويستغفرون للذين آمنوا ” هكذا من دون تحديد أصحاب دين على أصحاب دين آخر بما يعني أن المهمة التي كلف بها حملة العرش هي الاستغفار والدعاء لكل مؤمن بالله مقر بوحدانيته مؤمن بوجوده ودليلنا على ذلك ظاهر الآية وعدم تعرض أي مفسر من المفسرين لهذه الآية بتخصيص الإيمان في هذا الموضع بأصحاب دين معين  وهذا الاستغفار والدعاء الذي كلف به حملة عرش الرحمن للترحم على عموم المؤمنين قد استعملوا فيه التوسل والتودد إلى الله بسعة علمه ورحمته التي وسعت كل شيء أن يغفر يوم القيامة لعباده المؤمنين من الذين اتبعوا سبيله أجابوا رسله بالتوحيد والإيمان به وأن يدخلهم الجنة يوم الحساب.

مصير العباد من اختصاص الله..

وهذا يعني أنه إذا كان الله قد جعل الحكم على مصير العباد ومآل نهايتهم من اختصاصه هو وحده لا يشاركه فيه أحد في الحكم على أفعال العباد وعقائدهم وإيمانهم وإذا كان حملة العرش قد سمح لهم خالق هذا الوجود أن يتوسلوا إليه بسعة رحمته وعلمه بمخلوقاته أن يرحم ويغفر للمؤمنين والمذنبين فكيف نمنع على المسلم المقر بحقيقة هذا القرآن وحيا من عند الله أن لا يدعو لغير المسلم من أهل التوحيد بالرحمة عند الممات ؟ وكيف يحرم على نفسه الدعاء لغير المسلم ممن صلحت أعماله وكانت أفعاله في نصرة القضايا الانسانية العادلة وممن كرس حياته في تعرية جرائم الصهاينة قتلة الأنبياء وقتلة المسلمين من أبناء فلسطين الجريحة والحال أن حملة عرش الرحمان قد أخذوا الإذن من رب العباد وسمح لهم بأن يترحموا على كل مؤمن موحد مهما كانت ديانته .

تحرير الفتوى الدينية؟

فهل نحتاج اليوم إلى تحرير الفتوى الدينية من إرث وثقل ومكبلات الفتاوى القديمة ؟ وهل نحتاج إلى اجتهاد ديني معاصر يعيد تدبر معاني القرآني والنصوص الدينية في عملية تفاعل معاصرة مع القضايا الراهنة التي تختلف حيثياتها من حيث السياقات والملابسات والورود عن حوادث ونوازل عصور علماؤنا القدامى من دون استنقاص للجهد الذي بذلوه في الإجابة عن أسئلة زمانهم ؟ وهل نحتاج إلى اجتهاد ديني جديد يستجيب الى قضايا الراهن وما هو مستجد من نوازل جديدة من خلال اعادة تفكيك وتحليل وفهم للنص الديني  وإعادة تدبر لكل المدونة الفقهية حتى لا تتسع الهوة بين واقع المسلم وما تحقق له من فهم ومعارف  وآليات فهم ونصوصه الدينية  المؤسسة ؟  

المصدر : الصريح

Load More Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Check Also

قيس سعيد: الإخلاص للوطن ليس شعارا يُرفع والثورة ليست مجرّد ذكرى

قيس سعيد: الإخلاص للوطن ليس شعارا يُرفع والثورة ليست مجرّد ذكرى استقبل رئيس الجمهورية، مسا…