Home أخبار نوفل سلامة يكتب/ الانتخابات الفرنسية: كيف نفهم تصويت الشباب وسكان الضواحي للمرشح الشيوعي ‘ميلانشون’

نوفل سلامة يكتب/ الانتخابات الفرنسية: كيف نفهم تصويت الشباب وسكان الضواحي للمرشح الشيوعي ‘ميلانشون’

0 second read
2
0

كتب: نوفل سلامة

منذ سقوط حائط برلين وإعلان وحدة ألمانيا بعد عودة جزئها الشرقي المحسوب على المعسكر الشيوعي إلى أحضان الغرب الليبرالي الرأسمالي.. وبعد أن أعلن الرئيس الروسي الأسبق ميخائيل غوربتشوف عن حركة ‘البروسترويكا’ وهو برنامج وخطة إصلاحات عميقة نادت بإعادة هيكلة المجتمع وحمله للانفتاح عن العالم الحر بعد عقود من الانغلاق ومن تطبيق النظرية الشيوعية…

وهي سياسة أدت إلى تفكك الاتحاد السوفياتي وإنهاء منظومته الشيوعية وخروج الكثير من الدول عن الخط الشيوعي وتحويل وجهتها نحو العالم الحر الديمقراطي الليبرالي، وما تبع ذلك من تراجع تأثير الفكر الماركسي في الحياة العامة للشعوب، بعد أن حصلت هذه الهزة العميقة عرفت غالبية الحركات والأحزاب الشيوعية في العالم تراجعا رهيبا وتخلي الناخب الأوروبي عن التصويت لفائدتها…
مما جعل الكثير من المحللين والمفكرين يذهبون إلى أن روح العصر الحالي يعرف أفول النظرية الماركسية واندثار الأحزاب المعبرة عنها وتراجع صوتها في المجتمع لتترك مكانها لصالح أحزاب اليمين بتفرعاته وأحزاب الوسط وأحزاب الخضر والحركات الشعبوية والقومية التي تعرف في السنوات الأخيرة بداية عودة قوية.

تراجع كبير

وبهذا التطور الذي حصل في المعسكر الشيوعي والاشتراكي يفسر تراجع الأحزاب الشيوعية في الغرب وفقدانها الجاذبية المعهودة عند الناخب الأوروبي الذي لم تعد تستهويه الأطروحات اليسارية التي تعبر عنها الأحزاب الشيوعية والاشتراكية، والمنعرج الكبير الذي حصل أنه خلال عشريات كثيرة كانت فئة الشباب والطبقات الاجتماعية الفقيرة من عمال وفلاحين وعاطلين عن العمل لم تعد تصوّت لصالح أحزاب اليسار التي غالبا ما كانت تمثل هذه الطبقات الاجتماعية حتى تحول التيار اليساري في الغرب إلى تيار أحزاب صغيرة في طريقها الى الاندثار…

تحوّل في فرنسا

لكن التحول مع الانتخابات الرئاسية التي تجري هذه الأيام في فرنسا أن المرشح الشيوعي ‘جون لوك ميلانشون’ الذي أسس حركة ” فرنسا غير الخاضعة ” استطاع أن يحصل على أصوت كثيرة وصلت إلى حدود 22 بالمائة من أصوات الناخبين ولم يفصله عن الدور الثاني إلا أصوات قليلة مثلت الفارق بينه وبين مرشحة اليمين المتطرف “ماري لوبان ” التي حلت في المرتبة الثانية بـ 23 بالمائة من الأصوات وهذه المرتبة المتقدمة التي تحصل عليها ميلانشون تحتاج قراءة وتأملا حتى نفهم هذه العودة للصوت الشيوعي في مجتمع أعلن إفلاس الأحزاب الشيوعية وتراجعها؟

وحتى نفهم صحة المقولة التي تروّج لموت الشيوعية في الغرب و قبرها في تربتها الأصلية؟ وأخيرا حتى نطرح السؤال حول حقيقة عودة الثقة في الحضور الماركسي ، فهل تم التصويت لصالح ميلانشون بصفته يمثل الأطروحة الماركسية وتم اختياره لقناعة الناخب الفرنسي في الشيوعية بديلا للحكم وحلا لمشاكل المجتمع؟ أم أن تصويت فئة الشباب وسكان الضواحي والمناطق الريفية كان لأسباب أخرى في علاقة بحالة اليأس التي تنتشر في المجتمع الفرنسي وفقدان هذه الفئات من المجتمع الثقة في الطبقة السياسية الحاكمة؟
وهل فوز ميلانشون بالمرتبة الثالثة وكاد يتخطى الدورة الأولى فيه دلالة على عودة الروح إلى الأحزاب الشيوعية وخطوة نحو عودة اليسار إلى قيادة المجتمع الغربي واحتلال موقعه الطبيعي؟

أسباب صعود ميلانشون

ما يمكن قوله بخصوص صعود المرشح جون لوك ميلانشون هو أن جانبا كبيرا من الشباب وجزء آخر من سكان الضواحي والمناطق الريفية قد صوتوا هذه المرة لصالحه ومنحوه ثقتهم ليس لصفته الايديولوجية، وإنما للخطاب الذي قدمه وللطرح الذي عالج به القضايا التي تشغل بال الناس والتي رأى فيها جانب هام من الفرنسيين أنها مقنعة، وأنها تمثل الأمل في ظل غياب الحل عند الأحزاب الأخرى…
فما هو معروف عن ميلانشون أنه خطيب بارع وسياسي يحذق لغة الإقناع ويتوفر على قدر من وضوح الرؤية لمشاكل الفرنسيين ما مكنه من كسب ثقة الناخب الفرنسي خاصة فكرته الخروج من حلف الشمال الأطلسي ومن منظمة الاتحاد الأوروبي والعودة إلى فرنسا قبل الاندماج في الفضاء الأوروبي ودفاعه عن استقلال القرار الفرنسي وما يميز القيم الفرنسية في علاقة بالتبعية للقرار الأمريكي المهيمن ومطالبته بالاقتراب من روسيا وبناء علاقة ثقة وتفاهم استراتيجية معها من شأنها أن تخرج فرنسا من وضع التبعية لأمريكا…

خطاب يستهوي الناخب

فهذا الخطاب استهوى جزءا كبيرا من الناخب الفرنسي الذي شعر معه أنه يسترد فرنسيته التي بدأت تتلاشى وتضيع وشعر أنه المرشح الذي التصق بالقضايا الحقيقية وخاصة ما تعلق منها بالجانب الاجتماعي ودعوته إلى تأسيس الجمهورية السادسة بروح جديدة ونظرة مختلفة في علاقة بمطالبته بالزيادة في الحد الأدنى في الأجور بنسبة 16 بالمائة وتخفيض ساعات العمل الأسبوعية والتقليص من سن التقاعد والتوقف عن تسريح الموظفين عن العمل قبل بلوغهم سن التقاعد ورفع سقف الضريبة على الدخل إلى حدود 90 بالمائة يقابلها رفع سقف الانفاق الحكومي بنحو 173 مليار يورو لمدة خمس سنوات وتمكين الشباب من أكثر فرص للوصول إلى الجامعة ومواصلة التعليم الجامعي الذي يعد إحدى معضلات الشباب فضلا عن كونه لا يتبنى خطابا معاديا للمهاجرين…
وإنما هو يدعو في برنامجه إلى إدماجهم وتحسين وضعهم وفي مجال البيئة يدعو ميلانشون إلى التخلي عن الطاقة النووية .. فبهذا البرنامج الذي قدمه للناخب الفرنسي بطريقة فيها الكثير من القرب و من والشعور بالانتماء استطاع ميلانشون أن يكسب ثقة الفرنسيين وأن يعيد لهم الأمل في بناء فرنسا أفضل مما هي عليه فما حصل مع ميلانشون هو أنه استطاع بخطابه القوي أن يعيد الثقة للفرنسيين وأن يكسب رضا الناس وأن يزرع في نفوسهم الأمل في المستقبل رغم حالة اليأس التي عليها جانب كبير من الشعب الفرنسي وغضبهم على جميع الطبقة السياسية التي خيبت الآمال خلال عشريات كثيرة.

حالة يأس كبرى

ما يمكن الخروج به من نتائج الدور الأول للانتخابات الرئاسية الفرنسية أن الشعب الفرنسي تعتريه حالة من اليأس كبيرة من عدم قدرة الأحزاب السياسية على تحقيق الوعود التي تقطعها على نفسها في الحملات الانتخابية وإحباط كبير من عدم القدرة على تحقيق رغبات الناخبين لذلك فإن حصول جون لوك ميلانشون على المرتبة الثالثة في هذه الانتخابات في ظل تراجع كل ممثلي الأحزاب اليسارية الاخرى فيه دلالة واضحة على أن الناخب يبحث في هذه العتمة التي تخيم على مجتمعات العالم عن بصيص أمل وعن صوت صادق له رؤية واضحة…
سواء كان من اليمين أو من اليسار أو كان شعبويا أو قوميا المهم أن يكون لصيقا بهموم الناس ويتوفر على حلول عملية لمشاكل المجتمع.

المصدر : الصريح

Load More Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Check Also

عاجل: وزارة الداخلية تٌعلن القبض على إرهابي ثالث بجبال القصرين

عاجل: وزارة الداخلية تٌعلن القبض على إرهابي ثالث بجبال القصرين تمكنت وحدات الحرس الوطني &#…