Home أخبار محمد المحسن يكتب: حتى لا تكون تونس ‘اليونان الثانية’..

محمد المحسن يكتب: حتى لا تكون تونس ‘اليونان الثانية’..

13 second read
2
0

كتب: محمد المحسن 

مرّت عشر سنوات ونيف على ثورة حملت معها حلم الانعتاق من واقع القهر والبؤس في تونس،إذ صاغ الشعب بدماء شيوخه وشبابه صفحة جديدة من تاريخ تونس الحديث.ولئن كان النفس الرافض مبهرا في تجلياته الثورية،فإنّ الشغل الشاغل اليوم،هو عن سؤال أي مستقبل ينتظر الثورة التونسية المجيدة التي ألهب وهجها المنطقة العربية برمتها..

لقد استطاعت تونس تحقيق خارطة الطريق التي راهنت عليها القصبة 2،والتي كان الشباب الحاضر الأبرز فيها،فتمّ إنشاء دستور حظي بإجماع نواب المجلس الوطني التأسيسي،وتمّ إنشاء قانون للعدالة الانتقالية ومؤسسات دستورية لحماية مكتسبات الثورة..

ولكن ما يبعث على القلق،هي حالات التردي بجميع أشكالها التي تسيطر على البلاد في ظل تفاقم الأزمات الإقتصادية والإجتماعية واشتداد المخاطر الإرهابية واندلاع العديد من بؤر التوتر والإحتقان.هذا في الوقت الذي يلهث فيه عدد كبير من السياسيين ممن ركبوا سروج الجشع خلف الأضواء والنفوذ دون أن يهتموا بتداعيات التدافع الإنتهازي على المسار الديمقراطي..!

أقول هذا، وأنا على يقين بأنّ الأوضاع على المستويات الإقتصادية والإجتماعية بالخصوص،مثيرة للقلق الشديد،بالرغم من التحسّن الملحوظ على الصعيد الأمني-هذا الرأي يخصني-بفضل ما تبديه قوات الجيش والأمن والحرس من مجهودات مكثفة لتعقب الإرهابيين وإحباط مخططاتهم والإطاحة بخلاياهم وكسر شوكتهم على غرار ما حصل في ملحمة بن قردان التي ظلّت تفاصيلها البطولية إلى اليوم هاجعة في الوجدان التونسي وفي المخيال الشعبي..

كان من المفروض أن يؤثّر التحسّن الأمني ايجابيا على الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية.لكن ذلك لم يحصل إطلاقا.فالوضعية العامة جدّ حرجة.وأصبحت خاضعة أكثر فأكثر لكل أنواع التوظيف السياسي.إذ تحاول الأحزاب والحركات والتيارات والمنظمات استغلال المستجدات الحاصلة لخدمة أجنداتها الضيقة غير عابئة بما يتطلبه الأمن القومي للبلاد من إلتزام بقواعد التضامن الوطني لمجابهة مثل هذه المشاكل.

ما أريد أن أقول؟

أردت القول أن التونسيين شعروا  بالخطر عندما كشفت المصادر الرسمية عن أن نسبة النمو قد انخفضت إلى درجة تنذر بالخطر.ويعود ذلك إلى موجة الإضرابات من جهة،وإلى انهيار قيمة العمل بشكل غير مسبوق،من جهة ثانية.وهذا ما دفع بالإخصائيين في المجالات الإقتصادية إلى إطلاق صيحة فزع تؤكّد أن الأوضاع بدأت تقترب من حافة الهاوية.حيث أشارت العديد من التقارير الصادرة عن هيئات مختصة إلى تراجع حاد في أداء مؤسسات الإنتاج والإدارات والمنشآت العمومية،مما حدا بكبريات المؤسسات المالية الدولية وفي مقدمتها البنك الدولي،إلى الرفع من سقف ضغوطها على تونس من أجل دفعها نحو إنجاز “لإصلاحات”المطلوبة في أقرب الآجال كي لا يتغلّب الفتق على الرتق وتسير البلاد برمتها-لا قدّر الله-على خطى ماشهدته اليونان..

ولكن..يبدو أن حكومة-نجلاء بودن-مازالت تبحث عن نفسها،وعجزت عن إيجاد الآليات المناسبة لإدارة الوضع العام في البلاد،وهو أمر تجلى في غياب وضوح الرؤية،وانعدام البرامج التي تسمح بإدارة بلد يعاني حزمة من المشكلات والعقبات،ليس أدناها مشكلات الاقتصاد وقضايا الاحتقان الاجتماعي،بالإضافة إلى مشكل الإرهاب الذي يطل بين الحين والآخر بظله الأسود على المشهد العام برمته..

وهنا أقول: إذا كانت تونس قد تمكنت فعلياً من مجاوزة المخلفات السلبية للتحول الديمقراطي،وتجنب الوقوع في حالة الفوضى،أو العودة إلى مربع الاستبداد،وهو أمر لا يمكن إلا الثناء عليه،غير أنه من الأكيد أن الوتيرة الحالية للحراك الحكومي،وما يشوبه من عجز،ومن غياب المسؤولية،ورغبة في تحميل ارتباك الأداء للقوى السياسية التي هي خارج الحكم،قد لا يبشر بخير،خصوصاً إذا لم تتم مراجعة المسار الحكومي الحالي،وفتح حوار مجتمعي واسع،يشمل كل القوى السياسية والاجتماعية،من أجل إقرار خطة شاملة وعاجلة،لتفكيك الأزمات والدخول في هدنة اجتماعية تمنح مؤسسات الدولة الفرصة لالتقاط أنفاسها،وإعادة بناء نفسها،بصورة تسمح بتحقيق بعض التقدم،في غضون السنوات القليلة المقبلة.وهذا يقتضي-في تقديري-من الحكومة الحالية التعامل مع الأوضاع وفق سلم أولويات بإعتبار أنّ الأولويات هي التي تحدّد الأهداف وتثبت الإلتزامات وتمكّن الحكومة من مصداقية لدى عموم الناس.كما أنّ-بودن-مدعوّة بدورها إلى استيعاب-الدرس-جيدا من”أسلافها الذين سبقوها وعلى غرارالشاهد والفخفاح والمشيشي…-وعدم السقوط في ذات الأخطاء،ومن ثم القطع مع كل مظاهر التذبذب والإرتجال والتردد والإرتباك والخوف حتى لا يحيد المسار الديمقراطي عن مساره الصحيح ويتغلّب بالتالي الفتق على الرتق وتنحدر معنويات المواطنين إلى الحضيض..

إنّ المهمة المناطة على عاتق رئيسة الحكومة الحالية ثقيلة وشاقة،ولكن مصلحة تونس تهون دونها المشاق،المتاعب والمصاعب سيما وأن مطالب الشعب التونسي الذي خاض معركته ضد الظلم والظلام وفتح نافذة يطل من خلالها على أفق الحرية،لا تتجاوز سقف الممكن والمتاح (الإستقرار الأمني..تحسين المقدرة الشرائية..الحريات الفردية والعامة..تطوير النظام الصحي بعد أن دقّت كورونا-أبوابَنا..إلخ) وهي مطالب في مجملها محمّلة بشجون عديدة..

إن تونس-اليوم-وأكثر من أي وقت مضى،في حاجة إلى تكاتف كافة مكونات المجتمع المدني وكل القوى السياسية لتثبيت أركان الجمهورية الثانية،ومن ثم انجاز مشروع مجتمعي طموح ينآى بالبلاد والعباد عن مستنقعات الفتن،الإثارة المسمومة والإنفلات الذي يتناقض مع قيم العدالة والحرية،وهذا يستدعي منا جميعا هبّة وعي تكون سدا منيعا أمام كافة المخاطر التي تهدّدنا وتسعى إلى تحويلنا إلى نماذج مرعبة ومخيفة لما يجري في العراق وسوريا وليبيا..

وهنا أشير :

لقد دفع الركود الاقتصادي (تقلص الاقتصاد بنسبة 8 في المئة العام الماضي) والبطالة المتزايدة (المقدرة بنحو 17في المئة) والطبقة السياسية المنقسمة،عدداً متزايداً من التونسيين للاعتقاد بأن الديمقراطية لا توفر لهم ما يصبون إليه.

أضف إلى ذلك التأثير المدمر لجائحة كورونا،حيث أن معدل الوفيات الناجمة عن الجائحة في تونس هو الأعلى على صعيد القارة الأفريقية.

مشهد سياسي جديد و«معركة شرعيات»… بعد حل البرلمان التونسي :

كل العوامل التي ذكرناها خلقت لدى قطاع كبير من التونسيين شعورا باليأس وفقدان الثقة في البرلمان والأحزاب السياسية.

وهذا يفسر قبول الإجراءات الصارمة التي اتخذها الرئيس بارتياح في الشارع..

 لقد سئم أنصار الرئيس من البرلمان وكانوا يتوقون إلى شخصية وربما إلى رجل قوي قادر على حلحلة الأزمات المتواترة التي تشهدها تونس.

ومن هنا يطالب مناصرو الرئيس قيس سعيد بالقطع نهائيا مع المنظومة السياسية والحزبية التي حكمت بعد الثورة، ويحملونها مسؤولية الفشل السياسي والاقتصادي الذي تعيشه البلاد. في حين يتوقّع كثيرون أن يمضي الرئيس نحو تغيير نظام الحكم ويؤسس لمشروع البناء القاعدي.

ختاما أقول :

 تونس اليوم دولة وسلطة ومؤسسات،أمام امتحان جديد على درب الديمقراطية،ومع على الفاعلين في المشهد السياسي التونسي إلا القطع مع-النهم المصلحي والإنتفاعي-المسيطر عليهم ومن ثم تخطي الطور الانتقالي الجاري بنجاح،ووضع المساطر المناسبة لبنية مجتمعهم السياسية والحزبية،من دون إغفال تطلعات مجتمعهم والشروط العامة التي تؤطرها،وذلك تطبيقا لشروط والتزامات وقيم الممارسة الديموقراطية السليمة والسلوك الحضاري القويم..

 حذّر عدد من كبار السياسيين والنقابيين من «المنعرج الأمني» و«إعادة البلاد إلى مربع المواجهات الأمنية والسياسية» التي عرفتها في عهدَي بورقيبة وبن علي، يبدو الشارع التونسي منشغلاً أكثر بالأزمة الاقتصادية الاجتماعية المستفحلة، وبعجز الدولة لأول مرة عن توفير حاجياتها المالية الدنيا بسبب خلافات بين السلطات التونسية والنقابات والمعارضة من جهة ومع صندوق النقد الدولي والبنك العالمي والاتحاد الأوروبي من جهة ثانية. وهذا ما يعكسه الموقف من تجميد الأجور والتوظيف في القطاع العام لمدة 5 سنوات ورفع الدعم عن المحروقات والمواد الأساسية وإصلاح القطاع العام والتفويت في الشركات العمومية المفلسة. وهذا ما يدفع للتساؤل عما إذا كانت الانتخابات المقبلة ستفتح بصيص أمل وتساهم في طي صفحة الخلافات والأزمات المتراكمة وسط تلويح المركزية النقابية بتنظيم إضراب عام وطني وإضرابات عامة قطاعية وجهوية… أم تزداد الأزمات حدة مع بروز مشهد سياسي تتعمق فيه الهوة بين أنصار الرئيس وخصومه بما يوشك أن يتسبب في إجهاض تنظيم الانتخابات بعد 3 أشهر أو بنهاية السنة.

ختاما نتساءل :

 حذّر عدد من كبار السياسيين والنقابيين من «المنعرج الأمني» و«إعادة البلاد إلى مربع المواجهات الأمنية والسياسية» التي عرفتها في عهدَي بورقيبة وبن علي..

لكن يبدو الشارع التونسي منشغلاً أكثر بالأزمة الاقتصادية الاجتماعية المستفحلة،وبعجز الدولة لأول مرة عن توفير حاجياتها المالية الدنيا بسبب خلافات بين السلطات التونسية والنقابات والمعارضة من جهة ومع صندوق النقد الدولي والبنك العالمي والاتحاد الأوروبي من جهة ثانية.

وهذا ما يعكسه الموقف من تجميد الأجور والتوظيف في القطاع العام لمدة 5 سنوات ورفع الدعم عن المحروقات والمواد الأساسية وإصلاح القطاع العام والتفويت في الشركات العمومية المفلسة.

وهذا ما يدفع للتساؤل عما إذا كانت الانتخابات المقبلة ستفتح بصيص أمل وتساهم في طي صفحة الخلافات والأزمات المتراكمة وسط تلويح المركزية النقابية بتنظيم إضراب عام وطني وإضرابات عامة قطاعية وجهوية…أم تزداد الأزمات حدة مع بروز مشهد سياسي تتعمق فيه الهوة بين أنصار الرئيس وخصومه بما يوشك أن يتسبب في إجهاض تنظيم الانتخابات بعد 3 أشهر أو بنهاية السنة.

في المقابل،إنّ ثقة التونسيين في المؤسستين الأمنية والعسكرية لاتزال قوية،وهي مسألة في غاية الأهمية إذ لها دلالات وطنية على درجة عالية من الوعي والتحضّر..

هذا بالإضافة إلى إنبهار التونسيين وكذا العالم بالإنتصار الذي حققته بلادنا على وباء كورونا الجديد والمستجد..من هنا،فإنّ-تونس-تستحق أداء أفضل،لأن مقومات النجاح متوفرة.وسيكون من الخطأ التاريخي الذي لن يغتفر إذا انهارت التجربة،وهي في منتصف الطريق.عندها،لن يسامح التونسيون أنفسهم،ولن يحق لهم أن يلقوا بمسؤولية الفشل على عاتق غيرهم،مهما كان حجم المؤامرات التي تُحاك ضد التجربة التونسية..

المصدر : الصريح

Load More Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Check Also

وزير الصحة يعاين ظروف سير العمل بالمستشفى الجهوي بباجة

وزير الصحة يعاين ظروف سير العمل بالمستشفى الجهوي بباجة أدى وزير الصحّة علي المرابط، اليوم …