Home أخبار عيسى البكوش يكتب: على هامش لقاءات قرطاجنة…’تونس والرهانات العشرة في أفق 2030

عيسى البكوش يكتب: على هامش لقاءات قرطاجنة…’تونس والرهانات العشرة في أفق 2030

8 second read
2
0

كتب: عيسى البكوش

لم أُدعَ إلى دار الضيافة إذ لا يمكن كما هو معلوم دعوة من هبّ ودبّ!!

ولكن سلوايا أنّ من بين الضيوف رجال أفذاذ: رجل التخطيط المقتدر مصطفى الزعنوني والأستاذ الجليل وعالم الرياضيات أحمد فريعة والفيلسوف مثير الجدل يوسف الصدّيق رفيق دربي في المدرسة الصادقيّة وفي جريدة ‘لابريس’، لكن وإن كان ذلك يُعدّ فرض “كفاية ” فإنّي أدلو بدلوي من موقعي في هاته اللقاءات التي أخال أنّها ستكونَ ثريّة خصوصا بعد أن طالب الرئيس المنسّق الصادق بلعيد الحضور بالإفصاح عن تصوّراتهم لتونس في أفق عام 2060…

وسأكتفي بالتذكير ـ إن سمحتم سيّدي العميد ـ بما كنت نشرته على صفحات جريدة ‘الصريح’ الغرّاء في عددها الصادر يوم 4 نوفمبر 2015 والذي عدّدت فيه الرهانات المستوجب على بلدنا كسبها في الأمد القريب.
وكنت قبل ذلك أطلت النظر إلى ما بعد 2060 بأربعين عاما! نعم عام 2100 مستندا إلى إسقاطات المستشرقين في مجال المناخ.

الاستشراف…

كثيرا ما يردّد الإفرنج مقولة “أن تحكم يعني أنك تستشرف” gouverner, c’est prévoir والحكم هنا لا يفيد التسلط بقدر ما يفيد الحوكمة وهذا مدلول سياسي حديث في الغرب ولكنه ليس بجديد في أدبيّاتنا فخير الدين باشا كان له السبق في كتابه “أقوم المسالك” منذ قرن ونصف في التعرّض فيما تعرّض إليه لمفهوم “حسن الإمارة” وهو بالضبط ما يعنيه المصطلح الشائع الآن في الكون… ومن قبله كان ابن خلدون ومنذ سبعة قرون تحدّث في المقدمة وفي الفصل الرابع والعشرين عن “حسن الملكة” مع نصب اللام.
“إن كانت هذه الملكة من الجودة بمكان حصل المقصود من السلطان على أتمّ الوجوه”.
فالحكم إذن لا يتم مثل البدر إلا إذا أضاء منطقة نفوذه على أمد بعيد وإلا تحوّل إلى تصريف أعمال، والأمد في المجال السياسي قد يطول وقد يقصر وإذا كان من باب المغامرة أن تستشرف مستقبل بلادنا في أفق عام 2100 لأنّ كل الإسقاطات تشير إلى أنّ جزءا لا يستهان به من أديمنا سيبتلعه البحر المتوسط بفعل التغيرات المناخية فإنه يمكن أن نرسم خطط التطور إلى حدود سنة 2050 وهو ما اهتدى إليه معهد الدراسات الإستراتيجية منذ عقد، وقد برز ذلك من خلال أعمال الباحث خالد قدّور – منشورات مركز النشر الجامعي-2009.
ولقد كنت مثلت صحبة الصديق مرشد الشابي أمام الهيئة العلمية لذلك المعهد برئاسة الأستاذ الطيب الحضري والذي أتاح لنا الفرصة لتقديم رؤيانا بالنسبة لتهيئة التراب التونسي في أفق عام 2030 ولقد تناولت على وجه الخصوص مسألة إحداث عاصمة جديدة للبلاد مثلما شرحت أسبابه في الصحافة المكتوبة وبالخصوص في مجلة Jeune Afrique بتاریخ 30 أوت 2009 كما أنّ البي بي سي تولت بثّ الأمر في نشرة من نشراتها بل وطلبت من بعض مستمعيها في تونس التعليق عليه فبينما استحسن البعض وصف البعض الآخر صاحب المقترح بأنه “يهز وينفض” ولعلّ الأمر جانب الصواب بما أنّ العاصمة المقترحة هي النفيضة!
وعلى كلّ ففي تقديري أنّ إحداث عاصمة جديدة في أفق عام 2030 ليس بالرهان الوحيد الذي يمكن رسمه على امتداد الخمس عشرة سنة المقبلة بل هو واحد من عشرة:

• أوّلا: عاصمة جديدة

لقد شهدت بلادنا عبر التاريخ إذا ما استثنينا فترة الحضارة القفصية أربع عواصم هي قرطاج والقيروان والمهدية وتونس وقد وقع تشييدها كلها من طرف القادمين أو الغزاة.
والعاصمة الوحيدة التي شيّدها تونسيون مولدا ونشأة إنّما هي خارج تونس وهي القاهرة المعزّية سنة 972 م.
إنّه من نافلة القول أنّ مدينة تونس قد شاخت ولم تعد قادرة على مواجهة تحديات العمران والجولان ومهما حاولنا وعدّدنا المنشآت القادرة على استيعاب الحركة المرورية فلن نجد لذلك سبيلا.
ولقد سبقنا في إدراك ذلك عدد لا يستهان به من بلدان العالم وآخرها وليس آخرها مصر ومنذ أشهر أفصح رئيسها عن اعتزامه بناء عاصمة جديدة ما بين القاهرة والسويس وقدّمت الأمثلة ورصدت الأموال.
ولنا في قارّتنا أمثلة أخرى مثل أبوجا في نيجيريا وياماسوكور وفي الكوت ديفوار التي خططها مواطنها کاکوب.
إنّ موقع النفيضة التي تطلّ على البحر قبالة شرق العالم حيث القوى العظمى الجديدة “الهند والصين” والموجودة على مقربة من مناطق اقتصادية هامة مثل الوطن القبلي والساحل وسهول القيروان وهي نقطة مفصلية في العبور من شمال البلاد وجنوبها كل ذلك يؤهل هاته المنطقة التي تأوي منذ مدّة أكبر المطارات لأن تصبح العاصمة السياسية والإدارية للبلاد ولنا أن نستأنس بكلّ التجارب وبكل التقنيات الحالية والقادمة لجعل هاته العاصمة مدينة “ذكية وبيئية” ولنا عودة إلى تفاصيل ذلك في فصل قادم إن شاء الله.

• ثانيا: المرفأ الكبير

وذلك في علاقة بما سبق إذ أنّ مشروع ميناء النفيضة ما يزال في الرفوف بينما سبقنا إلى انجاز مثيل له الأشقاء المغاربة في طنجة، والجميع يعلم ما لهذه المنشأة من تداعيات على الاقتصاد الوطني بالنظر إلى الازدحام الذي أصبحت عليه حركة الملاحة خصوصا في ميناء رادس.

• ثالثا: النقل البحري بين المدن

إننا لم نستغل إلى حدّ الآن الشريط الساحلي الممتد على أكثر من 1200 کیلومتر لإحداث حركة نقل بين المدن المطلة عليه وإنه في الإمكان بعث خطوط بحرية بين النفيضة وقليبية وحلق الوادي وطبرقة مرورا من بنزرت و النفيضة وقابس مرورا بصفاقس، وكذلك إنه في الإمكان تشغيل زلاقات متوجّهة إلى أرخبيل قرقنة وجزر صقلية ومالطة.

• رابعا: نفق جربة

أمّا بالنسبة لجزيرة جربة فإنّ كلّ الدلائل تشير إلى أنه حان الوقت لكي ينجز نفق تحت البحر يربط بين الجرف وأجيم فتحافظ بذلك على طابع الجزيرة وتربطها باليابسة حيث لا عين ترى ولا نفس تشمئز من الانتظار.

• خامسا: جسر بنزرت

هو آت لا محال خاصة بعد التحرّك الأخير للمجتمع المحلي والسلطات المركزية والجهوية. هذا الجسر هو الذي سيرأب “الصدع” نهائيا بين ثغر الشمال وبقية أجزاء هذا الوطن الواحد المتوحّد.
بنزرت هاته المدينة التي تعلّل عام 1885 جون فيري بأنها هي السبب الباطن لاحتلال تونس عام 1881 سوف لا ينتظر أهلها ولا زائروها لكي يطؤوها حتى يمدّ الجسر المتحرك جناحيه!

• سادسا: شبكة الطرقات

يجب الإقرار بأننا أخطأنا عندما أحدثنا الطريق السيارة السريعة على طول الشريط البحري والتي تركت بقية الأجزاء “تتعثر” في مشيتها.
  إنّ الطريق السيارة كمثل العمود الفقري كان من الأسلم تمريرها من الشمال نحو الجنوب وسط المجال الترابي لا على الأطراف وعلى كلّ فاليوم تقتضي الضرورة إحداث شبكة من الطرقات السيارة مكمّلة لما سبق تونس مدنين تونس جندوبة- النفيضة – القيروان – القصرين – سيدي بوزيد – ڨفصة وأخرى تربط بين صفاقس وحزوة .

• سابعا: القطار السريع

منذ زمان ومشروع القطار السريع المغاربي الرابط بين الدار البيضاء وطرابلس يملأ أذاننا ولكن لا حياة لمن تنادي بينما تمّ أخيرا الاستعداد لتشغيل القطار السريع بين الدار البيضاء وطنجة ولعلّ الجزائر مقبلة هي بدورها على اعتماد هذا النمط من النقل الحديدي فهلاّ استعددنا لمثل هذا وانطلقنا في مواكبة “السير”، أليس هو  أبو القاسم الشابي الذي صدع بهذه الحقيقة:
                  ألا انهض وسر في سبيل الحياة *** فمن نام لم تنتظره الحياة.

• ثامنا: السباخ

تونس ثرية ببحرها وتضاريسها المتنوعة من جبال وسهول وواحات وكذلك بسباخها ومنها ثلاثة حول مدينة تونس وقع استصلاح واحدة وبقيت السيجومي وأريانة. إنّ بحيرة تونس لمثل رائع في التهيئة العمرانية وهي أنموذج نباهی به وعلى هاته الشاكلة فإنّ تغییر ملامح بقية السباخ عياضة وقربة وحتى شط الجريد دون المساس بخصوصياتها البيئية سيشكّل مشهدا بهيجا بالنسبة للأجيال المقبلة.

• تاسعا: حدائق قرطاج

وعلى ذكر الأجيال التي سوف ترث هاته الأرض التي استعرناها منهم مصداقا للمثل الصيني الذي يقول “نحن لا نرث الأرض من أجدادنا بل نستعيرها من أحفادنا” فانه حريّ بنا أن نكفّر عمّا اقترفناه إلى حدّ الآن من تكثيف العمران وما انجر عنه من التهام الأخضر واليابس بأن نهيّئ الجزء الأكبر من مساحة مطار تونس قرطاج الدولي أي حوالي 600 هكتار في حال نقلة المحطة الجوية إلى المبطوح قرب أوتيك ونجعل من هذا الفضاء الشاسع مسرّة للناظرين وعافية للمتنفسين.
حدائق قرطاج هو ذا صك الغفران. فلنتق الله في خضرائنا ولنخفّف الوطء عليها.

• عاشرا: تونس المعالم والمواقع

لئن اقترن اسم تونس بالاخضرار رغم ويلات الزمان من حرق الرومان لقرطاج إلى تخريب افريقية من طرف بني هلال وآخرين فلقد بقيت بلادنا موطنا للمواقع الأثرية الخالدة والمشاهد الطبيعية الخلابة، فعدد الشواهد لا يحصى ولم تكشف الحفريات -إن هي حقا اكتملت- عن أسرار التاريخ القابع تحت الأرض وفي قاع البحر.
إنّه لو اعتمدنا الإرث الحضاري في احتساب الدخل الفردي لوجدنا يقينا أنّ التونسي هو أرقى الناس جميعهم وقد لا يساوي التراث اللامادي شيئا ولكن لا شيء يساوي التراث على شرط أن ننجح في توظيفه.. وتسويقه فمسارح أوذنة ودڨة وسبيطلة ومواقع حیدرة وشمتو وبلاريجية والحنايا وكركوان وأوتيك، علاوة على قرطاج والجم وجامع القيروان وأسوار سوسة وصفاقس ورباط المنستير وأسوار مدينة تونس وقصور شنني ومطماطة وأثار قسطيلية في الجريد والمشاهد الرائعة في مرتفعات الكاف وسليانة وسدود سيدي سالم وبني مطير والواحات المعلقة بتمغزة والشبيكة… كلّ أولئك وغيرها تعدّ مسالك لجلب ملايين السياح من أقصى آسيا إلى أقصى أمريكا.
إنّ عدد السوّاح المتوقع في أفق عام 2030 يفوق المليارين فهلا يحقّ لنا بفضل هذا الزخم الذي نجثم فوقه من جلب واحد بالمائة من هذا العدد؟
إننا لو عكسنا المعادلة التي اعتدنا عليها بجعل السياحة الثقافية مكمّلة للسياحة الشاطئية (زيارة سيدي بوسعيد وغروب الشمس في واحة نفطة !) وجعلنا من البحر مكملا لهذا المقصد الرئيسي لجمهور آخر من سكان المعمورة الراغبين في النهل من تاريخ الإنسانية وقد كتبت بعض فصوله فوق أرضنا التي نحبّها كما لا يحبّها أحد مثلما ردّدنا بعد محمد الصغير أولاد أحمد الذي أوصانا إبّان تكريمه حيّا بالمحافظة على مقام البلاد، وفي هذا لعمري قطع مع تقريع الدوعاجي -عاش يتمنى في عنبة كيف مات علقولو عنقود-!!!
“أحبكم وسأحبكم أكثر مدى حافظتم على مقام تونس”.

المصدر : الصريح

Load More Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Check Also

الانتخابات الرئاسية: ماهي شروط الترشح؟

الانتخابات الرئاسية: ماهي شروط الترشح؟ أعلن رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق ب…